Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
ومن ذلك ما يحكى أنه قل المطر، جف الزرع، فاستسقى الناس ربهم بقراءة الحديث الشريف، فأخذ بعض أتباع الشيخ يقرأ البخاري فأخذ يقرأ كتاب أفعال العباد، وفيه رد على الجهمية، ففهم الفقهاء أنه يعرض بهم، لأنهم أشاعرة، وهو يعد أبا الحسن الأشعري من الجبرية، فشكوه إلى القاضي الشافعي فسجنه، فبلغ الخبر الشيخ، وذهب إلى السجن وأخرجه منه(١).
٥٦- والحنابلة كانوا في جانب، وسائر الفقهاء والعلماء في جانب، وقد نوهنا في الماضي إلى شيء من ذلك، فالحنابلة ما كانوا يتبعون طريقة أبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي كما نوهنا من قبل، وبقية الفقهاء كانوا يفهمون العقائد على ذلك النحو، وقد جاء ابن تيمية، وهو حنبلي النشأة والمذهب والطريقة الفقهية في الجملة. ونصب نفسه للدفاع عن طريقة الحنابلة ونفى أنهم مجسمة أو مشبهة كالحشوية، وأنهم يتبعون الأثر في فهم العقائد، كما يتبعونها في فهم الفروع، وبماله من مكانة يمكن للحنابلة، ويقوى سلطانهم، فغضب لذلك الفقهاء الذين كانوا يجانبونهم ويستصغرون شأنهم، وقد صاروا بهمة الشيخ وعزيمته ذوي الأمر والنهي، وإن كانوا غير رسميين، فكان ذلك سبباً آخر من أسباب إثارة الخصام، واحتدام الجدل، والالتجاء إلى الحكام.
(١) حكى ابن كثير القصة كاملة، وها هي ذي: ((وقع بدمشق خلط وتهويش بسبب غياب نائب السلطنة واتفق أن الشيخ جمال الدين المزي قرأ فصلاً بالرد على الجهمية من كتاب أفعال العباد للبخاري بسبب الاستسقاء، فغضب بعض الحاضرين من الفقهاء وشكاه إلى القاضي الشافعي ابن صصرى، وكان عند الشيخ فسجن المزي، فبلغ الشيخ تقي الدين، فذهب إلى السجن وأخرجه بنفسه، وراح إلى القصر، فوجد القاضي هناك فتقاولا بسبب جمال الدين المزي خلف ابن صصرى لابد أن يعيده إلى السجن وإلا عزل نفسه. فأمر النائب بإعادته تطييباً لقلب القاضي، حبسه عنده في القوصية أياماً ثم أطلقه، ولما قدم نائب السلطنة ذكر له الشيخ تقي الدين ما جرى في حقه وحق أصحابه في غيبته فتألم النائب لذلك، ونادى في البلد ألا يتكلم أحد في العقائد ومن عاد إلى تلك حل ماله ودمه.. فسكنت الأمور، أ هـ بتلخيص ج ١٤ ص ٣٧٠.
52