Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
أذى للآمنين، ومصدر خطر على المحاربين، ويبرر قطعه لأشجارهم بقوله: وقطعوا أشجارهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني النضير قطع أصحابه نخلهم وحرقوه. وقد اتفق العلماء على قطع الشجر وتخريب العامر عند الحاجة إليه، فليس ذلك بأولى من قتل النفوس.. إن القوم لم يحضروا كلهم من الأماكن التي اختفوا فيها، وما أيسوا من المقام في الجبل إلا حين قطعت الأشجار، وإلا كانوا يختفون حيث لا يمكن العلم بهم)).
٤٩- هذا كلام ابن تيمية يبين فيه فعاله، وأنه قاد كتيبة من أصحابه جردها على سكان تلك الجبال من طوائف الشيعية الباطنية ما بين حاكمية ونصيرية من تلك الفرق، ويبرر السبب في قتالهم؛ وعند الكلام على الفرق التي عاصرته سنخص تلك الفرق بكلمة.
وإن تلك الطائفة التي تنسب نفسها إلى الشيعة العلوية، كما جاء في الرسالة كانت تبيع المسلمين للنصارى الصليبيين المتربصين، وكانت تحرض التتار على الفساد فوق ما في التتار من حب له، وكانوا يكشفون عورات أهل الشام، فيضيق ذرعاً بذلك ابن تيمية المسلم التقي، ويخرج إليهم فيقاتل مقاتلتهم ويقطع أشجارهم.
ولعل أشد ما أصاب ابن تيمية من مرارة بيع المسلمين للصليبيين، ولم يكن ذلك عن تعصب ديني، بل لأن بيع المسلم الحر حرام، وبيعه لغير المسلم كفر، ولأن الصليبيين كانوا في حرب مع المسلمين فبيع أولياء الإسلام لأعدائه مروق لا يبرره أي اختلاف طائفي أو مذهبي. وإن ابن تيمية الذي لم يسوغ أسر الذمي، بل يعمل على استنقاذه كما يستنقذ المسلم، لا يتسع ضميره الديني قط لأن يغضي عن طائفة تنتسب للإسلام تبيع المسلم الحر لعدوه الذي يقاتله في الميدان.
من أجل ذلك لم يتركها في عبثها واعتدائها ودسها؟ ولكن هل قضى عليها؛ إنه خضد شوكتها، وأزال مجتمعها في الجبل، ولكن لم يزلها، فإن لم تجتمع
46