19

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

وحلية نفيسة، وحملها في الانتقال والرحلة شاق عسير. وخصوصاً إذا كان الانتقال فراراً، وقد نقلوها على مركبة لعدم توافر الدواب التي تحملها، ولأنها يشق حملها على الدواب، وقد كاد العدو يلحقهم لتوقف العجلات عن السير، فاستعانوا بالله ونجوا من القوم الظالمين.

١٦- وصلوا إلى دمشق بعون الله، واستقروا فيها آمنين، وكل ذلك وذو النفس المرهفة الحس يرى ويسمع ويدرك، وهو الغلام أحمد تقي الدين، فقد رأى الهول الأكبر في غارات التتار المفسدة، ورأى الفزع الأكبر في السكان الآمنين، يهرعون إلى النجاة، وما يكادون ينجون، ثم رأى أسرته تعاني مشقة الطريق، ومشقة حملها الثمين، وتخاف الضيعة، رأى كل ذلك الغلام الذكي المحس، فانطبع في نفسه صغيراً كره التتار، وكره الاعتداء، ومن هذا الابتداء نعرف بعض السر فيما كان منه، وقد استوى رجلاً مكتمل القوى، فقد كان يقود الجحافل لقتالهم مع أنهم أعلنوا الإسلام واعتنقوه، وصار شأنهم كشأن غيرهم من طوائف الإسلام، ولكنه رأى من ماضيهم البغي والعيث في الأرض فساداً، فعلم أنهم إن كانوا مسلمين هم بغاة يجب قتالهم حتى يتوبوا أو يُقْدَر عليهم، فقاتلهم لهذا ولتخرج من تحت سلطانهم الشعوب التي يهضمونها حقوقها، ويعيثون فساداً في أرضها.

١٧- لم يذكر المؤرخون الذين قرأت لهم القبيل الذي تنتمي إليه أسرة ابن تيمية. فلم يذكروا له نسبة إلا أنه الحراني فنسبوه إلى بلده حران موطن أسرته الأول، ولم ينسبوه إلى قبيلة من قبائل العرب، وإن هذا يشير إلى أنه لم يكن عربياً، أو لم يعرف أنه عربي منسوب إلى قبيلة من القبائل العربية، ولذلك نستطيع أن نفهم أو أن نعلم علماً ظنياً أنه لم يكن عربياً، ولعله كان كردياً، وهم قوم ذوو همة ونجدة وبأس شديد، وفي أخلاقهم قوة وحدة، وإن تلك الصفات كانت واضحة جلية فيه مع أنه نشأ في دعة العلماء، واطمئنان المفكرين وهدوء المحققين، وإن الأكراد كانت لهم في القرن السادس والسابع المواقف الرائعة

18