ولد بحران سنة 590 تقريبا، وحفظ القرآن الكريم بها، وسمع من عمه الخطيب فخر الدين وغيره، ورحل في سبيل طلب العلم إلى بغداد سنة 603، وأقام بها ست سنوات يشتغل بأنواع العلوم، ثم عاد إليها (بعد أن كان قد رجع إلى حران) فازداد فقها وعلما.
ويذكر الذهبي عن ابن تيمية الأشهر؛ أي الحفيد موضوع هذه الدراسة، أنه قال: «كان جدنا عجبا في حفظ الأحاديث وسردها، وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة.» وينقل عنه أيضا أن الشيخ جمال الدين بن مالك قال: «ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين الحديد لداود!»
وذكر الذهبي أيضا أن الشيخ مجد الدين كان معدوم النظير في زمانه، رأسا في الفقه وأصوله، بارعا في الحديث وما فيه، له اليد الطولى في معرفة القراءات والتفسير، صنف التصانيف، واشتهر اسمه وبعد صيته، وكان فرد زمانه في معرفة المذهب الحنبلي، مفرط الذكاء، متين الديانة، كبير الشأن.
4
وإذا تركنا أباه وجده نجد آخرين كثيرين مشهورين من أعضاء هذه الأسرة الكبيرة من الرجال والنساء، لكل منهم مقامه في العلم في زمنه، ولا نرى التعرض لذكرهم، فأمرهم معروف في التاريخ، فليرجع إلى كتب تاريخ الرجال والطبقات من يريد معرفة ما كان لهم من كبير المنزلة وعظم الأثر.
نشأته ودراساته
أكد العلم الحديث ما عرفه القدامى من العرب من أن الوراثة والبيئة هما العاملان اللذان لهما أكبر الأثر على ما يكون عليه الإنسان في نشأته وتربيته ومستقبله، وأنه بالوراثة تنتقل الاستعدادات الخلقية والعقلية من جيل إلى جيل، وأن البيئة هي التي تمهد لظهور هذه الاستعدادات فعلا.
وقد جمع الله لابن تيمية كل العوامل التي جعلت منه رجلا عظيما فريدا في عصره في الفقه وسائر العلوم الإسلامية : من وراثة طيبة قوية، وبيئة صالحة تزخر بالعلم وتدفع إليه دفعا، عقل واع ألمعي، وحافظة ذاكرة لا تنسى ما وعته، وشجاعة تستهين بالأخطار في سبيل الحق، وإرادة لا تقف أمامها العقبات، وغير ذلك كله من أسباب العبقرية والنجاح والنبوغ والخلود على الأيام، وصدق العليم الحكيم إذ يقول:
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه .
ولد أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في عاشر ربيع الأول سنة 661 بحران، وأنبته الله نباتا حسنا، فعاش بها بضع سنين في كنف أبيه وتحت رعايته، ثم انتقل أبوه به وبأخويه إلى دمشق سنة 667 عند قدوم التتار إلى الشام، وكاد هذا البلاء الزاحف يدركهم في سيرهم لولا أن من الله عليهم بالسلامة والنجاة، وكان هذا لخير الإسلام والعلم والمسلمين.
Unknown page