175

4

وقال في أحد هذه الوجوه: ويدل عليه وجه آخر، وهو أنه (أي الله تعالى)، وصفه بما يستحيل أن يكون مصدرا، بل هو متعين في الوصفية، وهو «الخناس»، ف «الوسواس» و«الخناس» وصفان لموصوف محذوف وهو الشيطان.

وحسن حذف الموصوف ها هنا غلبة الوصف حتى صار كالعلم عليه، والموصوف إنما يقبح حذفه إذا كان الوصف مشتركا فيقع اللبس، كالطويل، والقبيح، والحسن، ونحوه، فيتعين ذكر الموصوف ليعلم أن الصفة له لا لغيره.

فأما إذا غلب الوصف واختص ولم يعرض فيه اشتراك، فإنه يجري مجرى الاسم ويحسن حذف الموصوف، ك «المسلم (أي الرجل المسلم)، والكافر، والبر، والفاجر، والقاصي، والداني، والشاهد، والوالي، ونحو ذلك، فحذف الموصوف هنا أحسن من ذكره.»

وإذا كان «الوسواس» صفة للشيطان، فإن له في هذه السورة صفتين أخريين؛ وهما «الخناس»، و«الذي يوسوس في صدور الناس»، كما يقول ابن تيمية رحمه الله.

وهذه الصفة مأخوذة من فعل خنس يخنس إذا توارى واختفى، وبابه «دخل»، وفي هذا يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «لقيني النبي

صلى الله عليه وسلم

في بعض طرق المدينة وأنا جنب، فانخنست منه.»

5

وحقيقة اللفظ - كما يقول شيخ الإسلام - اختفاء بعد ظهور، فليست لمجرد الاختفاء؛ ولهذا وصفت الكواكب في القرآن ب «الخنس»، قال قتادة: هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى.

Unknown page