والشافعي يوافقه على أن كل شرط خالف مقتضى العقد فهو باطل، لكنه يستثني مواضع الدليل الخاص، فلا يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاث، ولا استثناء منفعة المبيع، ونحو ذلك مما فيه تأخير تسليم المبيع.
ولكنه يجوز استثناء المنفعة بالشرع، كبيع العين المؤجرة على الصحيح من مذهبه، وكبيع الشجر مع استبقاء الثمرة المستحقة للبقاء، ونحو ذلك، ويجوز في النكاح بعض الشروط دون بعض، فلا يجوز اشتراط دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى، ويجوز اشتراط حريتها وإسلامها، وكذلك سائر الصفات المقصودة على الصحيح من مذهبه كالجمال ونحوه ...
وطائفة من أصحاب أحمد يوافقون الشافعي على معاني هذه الأصول لكنهم يستثنون أكثر مما يستثنيه الشافعي، كالخيار أكثر من ثلاث، وكاستثناء البائع منفعة المبيع، واشتراط المرأة ألا ينقلها وألا يزاحمها بغيرها، فيقولون كل شرط ينافي مقتضى العقد فهو باطل، إلا إذا كان فيه مصلحة للعاقد.
وذلك أن نصوص أحمد تقتضي أنه يجوز من الشروط في العقود أكثر مما جوزه الشافعي، فقد يوافقونه في الأصل ويستثنون للمعارض أكثر مما استثنى، كما قد يوافق هو أبا حنيفة ويستثني أكثر مما يستثني للمعارض.
وهؤلاء الفرق الثلاثة يخالفون أهل الظاهر، ويتوسعون في الشروط أكثر منهم؛ لقولهم بالقياس والمعاني وآثار الصحابة رضي الله عنهم، ولما قد يفهمونه من معاني النصوص التي ينفردون بها عن أهل الظاهر.»
هكذا يذكر ابن تيمية آراء الأئمة الفقهاء في دقة وتفصيل، ويقارن بعضها ببعض مبينا أصل كل منهم وما رأى استثناءه عن هذا الأصل وعلة هذا الاستثناء أو أساسه.
هذا، والذين ذهبوا إلى المنع من العقود والشروط إلا ما أذن به الشارع، بأن جاء به نص أو إجماع، وعلى رأسهم أهل الظاهر، يقولون بأن الشريعة الصالحة يجب أن تنظم شئون الأمة جميعا، وبخاصة العقود التي تقوم عليها المعاملات بين الناس، على أساس من العدل ينفي أن يضار بعض الناس ببعض، وهذا ما لا يكون إن تركت لهم الحرية في عقد ما يريدون من عقود واشتراط ما يرون من شروط.
وبخاصة أن الله قد أمرنا بالوفاء بالعقود والشروط، فإذا تعاقدنا أو شرطنا ما لم يرد في الشريعة وأصولها، ثم أوجبنا على أنفسنا الوفاء بما التزمنا من عقد أو شرط، نكون قد أحللنا أو حرمنا على غير ما شرع الله وأذن به، وهذا ما لا يجوز بحال.
كما يستدل الظاهرية لمذهبهم أيضا بما روي أن الرسول
صلى الله عليه وسلم
Unknown page