بحديث معروف أقر به هذا النوع من المعاملة؛ إذ وجد أهل المدينة يتعاملون به، ومثل عقد إجارة الأشياء أو الأشخاص، مع أن المعقود عليه في هذين العقدين معدوم غير مقدور التسليم حين العقد، فالعلة في تحريم كل منهما موجودة، ومع هذا هما جائزان شرعا.
ومهما يكن، فإن مسلك ابن تيمية لا يبعد كثيرا عن مسلك الآخرين، فإن مبنى الأحكام الشرعية على جلب المنافع ودفع المضار وليس من الأحكام ما لا حكمة له أو ما لا يحقق مصلحة معروفة حقيقية أو يدفع ضررا حقيقيا كذلك من تشريعه، وبذلك تلتقي الحكمة بالوصف الظاهر الملائم المنضبط في أكثر الأحوال.
ومع هذا، فإن نظر ابن تيمية في هذه الناحية يجعل القياس الصحيح قريب الإدراك، ومعينا على تعرف حكم التشريع، وأدنى إلى ما يتبادر إلى الذهن ويتعارفه الناس، ويجعل الأحكام الفقهية ذات آصرة قوية بتحقيق ما أراده الله من تحقيق المنافع ودفع المضار.
الثانية:
لشيخ الإسلام رسالة أشرنا إليها كثيرا فيما سبق، وهي «معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول»، وقد افتتحها بقوله: «إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بين الدين، أصوله وفروعه، باطنه وظاهره، علمه وعمله.»
ولا ريب في أن المراد بفروع الدين وعمله هو الأحكام التشريعية التي تسمى أيضا الفقه أو الشرع، وهذا كاف في بيان ما يراد من أن في النصوص بيانا للشريعة الإسلامية وأحكامها، بالتفصيل حين يجب، وبالإجمال حين يكفي، وبالنص تارة، والحمل عليه تارة أخرى.
والآن نذكر أنه رحمه الله قد رفعت إليه فتوى تعتبر من صميم الموضوع الذي نعالجه، وأجاب عنها بما نرى من الخير تلخيصه بعد ذكر نص الفتوى، وهو: «من يقول إن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة، هل قوله صواب، وهل أراد النص الذي لا يحتمل التأويل أو الألفاظ الواردة المحتملة؟ ومن نفى القياس وأبطله من الظاهرية، هل قوله صواب، وما حجته في ذلك، وما معنى قولهم النص؟»
19
Unknown page