Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
قاضى قضاة الشام ذلك اجتمع بابن تيمية، وأشار عليه أن يترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق فقبل رضي الله عنه، وقد تأيدت إشارة القاضي بأمر السلطان، فقد جاء في مستهل جمادى الأولى من تلك السنة كتاب السلطان، وفيه منع الشيخ من الإفتاء في هذه المسألة، ولقد نودي بذلك في البلد.
وفي الحقيقة لم يكن ثمة حاجة إلى كتاب المنع والمناداة به في البلد؛ لأن الشيخ قد انتصح بنصيحة قاضي القضاة، بل انتصح قبل ذلك بنصيحة قاضي الحنابلة فإن المنع بعد ذلك لا يليق بمقام ذلك العالم الجليل، والكياسة وحسن السياسة كانت توجب ألا يكون نهي لم يكن ثمة حاجة إليه.
ومهما يكن من الأمر فإن الشيخ قد امتنع زمناً قليلاً، ثم عاد إلى الفتيا، لأنه اعتقد أن ذلك كتمان العلم؛ ويرد على الخاطر سؤال لماذا امتنع الشيخ أولاً منتصحاً؛ ثم عاد ثانية لأنه وقع في نفسه أن الامتناع كتمان العلم الذي أخذ مواثيقه على العلماء ليبينه للناس ولا يكتمونه؟
إن الذي نظنه جواباً في هذه الحال، أن الشيخ كان متردداً في أن يفتي في مسألة يخالف ما عليه الجمهور من الفقهاء السابقين والمعاصرين، ومثل ابن تيمية له من الورع والدين ما يجعله متردداً في هذه الحال، حتى لا يكون قد قصد إلى غرائب الفتيا، فلما أشار عليه قاضي القضاة بأن يترك هذه الفتوى الغريبة أجاب: لأن ذلك كان له نداء من قلبه فأجاب؛ ثم لما أعاد المسألة نظراً وتمحيصاً زاد إيماناً بصحة فتواه، والبلوى في موضوعها عامة فلم يرتض بأن يفرق بين المرء وزوجه على غير أساس ديني سليم، فاندفع إلى الإفتاء غير متحرج.
ويجوز أن يكون قد امتنع أولاً لنصيحة العلماء، فلما جاء المنع من السلطان علم أنها الدنية في الدين، ولعل السبب في عودته إلى الإفتاء الأمران معاً: زيادة استيثاقه من فتواه مع عموم البلوى في موضوعها، ومنع السلطان فتقدم بالفتيا غير هياب ولا وجل ليعلم العلماء من بعده، أن ليس للأمراء طاعة فيما يعتقده العالم معصية الله.
80