Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
غير ذلك كتباً يطلبها(١).
٧٩- انصرف الشيخ إلى العلم والفتيا والدراسة، ولم يرنق صفو حياته العلمية شيء؛ إلا أن خصومه لما عجزوا عن تحريض السلطان والعلماء عليه اتجهوا إلى العامة يحرضونهم، ويحرشونهم به، ونسوا أن له من الأنصار ما يزيد على أنصارهم عدداً.
ولقد حدث له من ذلك حادثان: (أحدهما) أنه في الرابع من رجب سنة ٧١١ قد انفرد به جماعة بتحريض خصومه، فامتدت أيديهم الأثيمة إليه بالضرب، فتجمع أهالي الحسينية ليثأروا للشيخ، فردهم، ولكنهم ألحوا عليه في أن يأذن لهم، وأكثروا في القول، فقال لهم:
((إما أن يكون الحق لي أو لكم، أو لله، فإن كان الحق لي فهم في حل منه؛ وإن كان لكم، فإن لم تسمعوا مني ولم تستفتوني فافعلوا ما شئتم. وإن كان الحق لله، فالله يأخذ حقه إن شاء)).
وفي أثناء هذه المناقشة حضر وقت العصر فذهب ليصلي في الجامع فثنوه عن ذلك حتى لا يؤذى ثانية، فلم يلتفت إلى قولهم، ومضى إلى المسجد فتبعته جماعات كبيرة من الغاضبين له.
(والحادث الثاني) كان في هذا الشهر نفسه فقد حصل اعتداء عليه بالقول المقذع، ولكنه في هذه المرة لم يكن من الجهال الأغمار، بل كان من بعض الفقهاء من أساء إليه بالقول، ثم اعتذر إليه، ولعله اعتذر خوفاً من بطش السلطان أو الناس، ولكن الشيخ على أي حال عفا، وقال لا أنتصر لنفسي.
٨٠- ولم يكن ابن تيمية منقطعاً للدرس والبحث من كل الوجوه، بل كان له نوع اتصال بالسلطان؛ وهو إن حاول الانقطاع من كل الوجوه لا يمكنه السلطان من ذلك؛ فهو إن لم يطلبه الشيخ طلبه هو.
ولهذا الاتصال كان يستشار في بعض الولاة فيقول كلمة الحق من غير مواربة؛ لأن ولاية أمر العامة والقيام بينهم بالعدل هي الأمانة التي وضعها الله في عنق
(١) راجع العقود الدرية ص ٢٨٤.
74