Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
جاء في كتاب العقود الدرية في مناقب ابن تيمية ما نصه: "اتفق أن بعض مشايخ العلماء بحلب قدم إلى دمشق، وقال سمعت في البلاد بصبي يقال له أحمد ابن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئت قاصداً لعلي أراه، فقال له خياط: هذه طريق كتابه، وهو إلى الآن ما جاء، فاقعد عندنا الساعة حتى يجيء... جلس الشيخ الجليل قليلاً، فمر صبيان. فقال للشيخ الحلبي هذا الصبي الذي معه اللوح الكبير هو أحمد بن تيمية، فناداه الشيخ فجاء إليه، فتناول الشيخ اللوح، فنظر فيه، ثم قال يا ولدي امسح هذا حتى أملي عليك شيئاً تكتبه ففعل. فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر أو ثلاثة عشر حديثاً، فقال اقرأ هذا، فلم يزد على أن تأمله مرة بعد كتابته إياه، ثم رفعه إليه، وقال اسمعه، فقرأه عليه عرضاً كأحسن ما أنت سامع، فقال يا ولدي امسح هذا ففعل، فأملى عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال اقرأ هذا، فنظر فيه كما فعل أول مرة، فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش هذا الصبي ليكونن له شأن عظيم، فإن هذا لم ير مثله".
٢١- تلك قصة تروى عن شخص التقى به، وراويها أحد تلاميذه، وتبدو القصة عارية عن المبالغة، بعيدة عن الغلو، فإنه مما تضافرت به الأخبار عن الإمام مالك رضي الله عنه، أنه كان يستمع من ابن شهاب بضعة وثلاثين حديثاً، ثم يتلوها في الجلسة، ومنها حديث السقيفة، وإن كان ثمة فرق فهو بين العصرين، فعصر مالك كان عصر حفظ، الاعتماد فيه على الذاكرة لا على الكتب، ومن شأن ذلك أن يقوي الحافظة ويرهفها، لأن من المقررات المستمدة من الاستقراء أن العضو الذي يكثر عمله يقوى ويشتد، أما عصر ابن تيمية فكان عصر التدوين والتسطير والكتابة، وليس من شأنه أن يقوي الحافظة للاعتماد على السطور دون ما في الصدور.
ومهما يكن فمن الثابت أن ابن تيمية رضي الله عنه قد آتاه الله ذاكرة واعية منذ صباه، والذاكرة كما يقرر علماء النفس والتربية هي المقياس الأول للذكاء قوة وضعفاً، ويظهر أن قوة الذاكرة قد ورثها ابن تيمية عن أسرته، فقد رأينا أن أباه قد كان يمتاز بأنه يلقي دروسه في الجامع الأكبر بدمشق غير معتمد على كتاب،
21