11

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

ولذلك لا نجد الصعوبة التي كنا نجدها عند دراسة الأئمة الأربعة، وتعرف أشخاصهم من سيرتهم التي دونها كتاب المناقب، فإنا كنا نجد مبالغة وإغراقاً في المدح بالمعقول وغير المعقول، فكان استخلاص الحقيقة من بين المدون المسطور صعباً عسيراً.

أما هنا فإنا نجد السيرة مدونة تدويناً صحيحاً خالياً في أكثر الأحوال من المبالغة؛ وإن بالغ بعض الكتاب، فإن تمييز الحق الصحيح من بين ثنايا المبالغة سهل بالموازنة بين الكتابات.

٨- ولكن إذا كان تعرف شخصيته الإنسانية من وقائع سيرته سهلاً يسيراً؛ فإن أمراً آخر يعترضنا في تعرف شخصيته العلمية، إذ أن تعرفها صعب عسير، بل أصعب من تعرف الشخصية العلمية للأئمة السابقين، كالإمام أبي حنيفة، والإمام مالك وغيرهما؛ لأن العلم في عهدهم كان يؤخذ بالتلقي؛ إذ أنه كان في الصدور؛ ولم يخرج إلى الكتب والسطور، فكان من السهل أن تعرف كيف تكونت شخصية الإمام العلمية؛ لأننا نتتبع الشيوخ الذين التقى بهم ومناهجهم؛ فمعرفة الشيوخ تسهل معرفة ما تلقاه التلميذ، ومن معرفته، ومعرفة ما أنتج هو نستطيع أن نعرف مقدار الأثر العلمي الذي تركه، ذلك بأن العالم الحق هو الذي يتغذى مما تركه من سبقه، ويقدم غذاء جديداً لمن يجيء بعده.

أما ابن تيمية فقد جاء في القرن السابع والمذاهب مدونة، والسنة مبسوطة، في كتبها، والعلوم المختلفة قد دونت في موسوعات ضخمة، فكل العلوم من فلسفية ودينية ولغوية وتاريخية قد دونت، فلم يعد من السهل معرفة الشيوخ الذين تلقى عليهم: لأنه لا يتلقى فقط من الأشخاص الأحياء، بل يتلقى من الذين سبقوه بأجيال، بالكتب التي أورثوها الناس، ورب كتاب يقرؤه الشادي في طلب العلم فاحصاً مستوعباً يوجهه أكثر من معلم يوقفه ويقرئه.

٩- وإن ابن تيمية بلا شك تلقى على شيوخ قرأ عليهم الحديث وعلوم اللغة وعلوم الدين من تفسير وفقه وعقائد، وغير ذلك من العلوم التي كانت معروفة

10