Ibn Sina Faylusuf
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Genres
إذن للعلم الطبيعي موضوع ينظر فيه وفي لواحقه، وما موضوعه إلا الأجسام الموجودة بما هي واقعة في التغير، وبما هي موصوفة بانحناء الحركات والسكونات.
2
من هذا يظهر أن الطبيعي يدرس الموجود الحقيقي، ولكن ليس بما هو موجود، ولا بما هو جسم، ولا بما هو جوهر، ولا بما هو مركب من مادة وصورة، ولكن بما هو قابل للحركة والسكون. وهذا التعليم لا يزال أتباع الفلسفة المدرسية يدافعون عنه ويؤيدونه.
يزيد أرسطو الإسلام على ما تقدم: أن العلوم الجزئية لا يلتزم أصحابها بإثبات مبادئها، وصحة المقدمات التي بها يبرهنون ذلك العلم؛ بل بيان مبادئ العلوم الجزئية يتعلق بصاحب العلم الكلي الذي موضوعه الموجود المطلق، وبما أن الطبيعيات هي من العلوم الجزئية؛ فالبرهنة على صحة مبادئها لا تختص بالعالم الطبيعي؛ بل بعلماء ما وراء الطبيعة، وبعبارة أوضح: إن العالم الطبيعي يمكنه أن يتخذ المبادئ المقررة في الإلهيات، ويحارب بها خصومه، ويقارع أضداده، ويثبت القضايا المعترض عليها. ومن هذا الكلام يتبين القارئ الفرق الشاسع القائم بين الطبيعيين الأقدمين والطبيعيين المحدثين؛ لأن هؤلاء لا يسلمون إلا بالاختبار والواقع، ولا يلجئون إلى علم آخر يثبتون به ما يريدون تقريره. (2) المادة والصورة
إن الكون بأجمعه هو في تغير مستمر وتحويل مستديم.
قف تجاه سنديانة يابسة كطبع الدهر تلتهمها النار فلا يمضي عليها إلا القليل حتى تصير رمادا، فهل تلاشت هاته السنديانة باحتراقها، واضمحل كل ما فيها؟
إن الأجسام الطبيعية جمعاء مركبة من مادة هي محل، ومن صورة هي حالة فيه، ونسبة المادة إلى الصورة نسبة النحاس إلى التمثال،
3
فكما أن الفنان لا يمكنه أن يصنع تمثالا نحاسيا ما لم يكن عنده مادة نحاسية، هكذا لا يمكن أن تكون مادة بدون صورة. أما الصورة فتقوم بمعزل عن المادة؛ لأنها أكمل وأرقى، وبهذا القيام المكمل قد خالف ابن سينا المعلم الأول؛ وذلك لكي يستطيع إثبات خلود النفس التي هي صورة للجسم، إن كل ما نعرفه نطلع عليه بواسطة الفعل أو الصورة، فيتبع ذلك أن المادة الأولى ليست معروفة بذاتها؛ لأنها لا تتضمن فعلا بل استعدادا لاقتبال الصورة؛ إذن كيف يمكننا أن نبرهن على هذه المادة التي لا نستطيع إلى تعريفها سبيلا؛ لأنها ليست موجودة في نوع أو في جنس أو في تمييز؟
نحن نعرف - بدء بدء - بحواسنا الخارجية أنه يوجد أجسام تملك صورا حسية، وعندما تكون في الفعل تتضمن أقطارا معينة، بيد أن هذه الأجسام ليست هي كذلك؛ لأنها تملك بالفعل أقطارا مثلثة؛ بل لأنها قابلة لأن تقتبل تلك الأقطار أو ترفضها؛ لأن الأقطار لا تركب الأجسام بما أنها أجسام؛ بل تنسب إلى الأجسام نسبة العوارض إلى الجوهر. إن السطح مثلا لا يدخل في تحديد الجسم بما أنه جسم، ولكنه يدخل في تحديد الجسم بما أنه متناه؛ إذن هو عارض جسمي متغير. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتصور الجسم بما هو جسم دون أن نفتكر ضرورة بأنه متناه، وبما أن كل جسم يملك صورة هي موضوع للعلم الطبيعي، كذلك يملك امتدادات وأقطارا محدودة تدخل مقولة الكليات، وتكون موضوعا لعلم آخر، إن هذا الكتاب الموجود بين يدي الآن له ثلاثة أقطار تقاس وتعد بالأرقام، وله فوق ذلك صورة محسوسة بها يقوم كماله، وتدرس وتوصف في علم آخر؛ إذن إن أقطار الأجسام لا تبقى دائما غير متغيرة،
Unknown page