إن فاقد الشيء لا يعطيه كما قال الأولون. وقد كانت شفاعة الماديين الثنائيين إذا أنكروا العقل الخالق أن يقفوا عند المحسوسات وأن يحلوا المشكلات التي لا يحلها العقليون والإلهيون، أما أن يجعلوا المشكلة حلا وأن يستبيحوا لأنفسهم مجاوزة المحسوسات ليقولوا بالدورات الأبدية والفروض المستغربة فذلك غير مفهوم إلا على وجه واحد، وهو أن الغرض الهبوط كلما أمكن الهبوط. والقول بالمادة أهبط من القول بالعقل ... فلنقل إذن بالمادة ولو تطوحنا في المغيبات التي لا يقوم عليها دليل وبدأنا الحل بالأضداد التي هي نهاية الأشكال. •••
والفلسفة الإلهية لا تخلو من المشكلات العويصة التي يكثر الخلاف بين الفلاسفة على عرضها وتفصيل حلولها وتأويلاتها. ولكن الفرق بين الفلسفة الإلهية والفلسفة المادية في هذا أن الفلسفة الإلهية لم تغلق الباب ولم تختم الأشكال بإقرار الأشكال، وتركت الباب مفتوحا لمن يبتغي الوصول من طريق التأمل أو طريق الرياضة الروحية أو طريق الاستشراف للكشف والإلهام.
أما هذه المشكلات فيمكن تلخيصها في هذه المسائل الأربع وهي: (1)
وجود العالم. (2)
وجود النفس. (3)
وجود الشر. (4)
حرية الإنسان.
فيسألون: كيف وجد العالم؟ هل وجد بعد أن لم يكن؟ وبعبارة أخرى: هل هو حادث من العدم؟
فإذا كان حادثا من العدم فأين محل العدم مع وجود الله جل وعلا وهو كلي الوجود؟
وهل الإرادة الإلهية التي قضت بأحداثه حادثة أو قديمة؟ إن الله قديم لا يتغير، فليس يجوز في حقه حدوث الإرادة؛ لأن حدوثها إنما يكون لما هو أفضل أو لما هو مفضول، وكلاهما ممتنع بالنسبة إلى الله.
Unknown page