Ibn al-Rūmī: ḥayātuh min shiʿrih
ابن الرومي: حياته من شعره
Genres
ففي هجائه صفة ذميمة يشمئز منها القارئ جدا في كثير من الأحيان، ولكنها صفة الضعف والخفة، وليست صفة الخبث والرداءة، وقل فيه وفي هجائه ما شئت من لوم وتهجين وتأفف، ولكنك متى قلت فيه كل ما هو أهله، وأقبلت ترد هجاءه إلى بواعثه لم تجد ثمة شرا دخيلا، ولم تخطئ قط أن تجد الحرج والاضطرار، وتشعر بأن قائل هذا الهجاء رجل متألم يدفع الألم عن نفسه، وليس برجل السوء الذي يعنيه أن يوقع الألم بغيره، ويعتد إيلام الناس غرضا له مقصودا لذاته.
وهو مع اشتهاره بالهجاء أسلم عن غيره حالا فيه، وأكثر عذرا من غير المشهورين به، أسلم من البحتري مثلا كما قال المرزباني في الموشح:
وكثير من أهل الآداب ينكر خبث لسان علي بن العباس الرومي، ويطعن عليه بكثرة هجائه حتى جعلوه في ذلك أوحد لا نظير له، ويضربون عن إضافة البحتري إليه، وإلحاقه به، مع إحسان ابن الرومي في إساءته، وقصور البحتري عن مداه، وإنه لم يبلغه في دقة معانيه، وجودة ألفاظه، وبدائع اختراعاته، أعني الهجاء خاصة؛ لأن البحتري قد هجا نحوا من أربعين رئيسا ممن مدحه، منهم خليفتان هما: المنتصر والمستعين، وساق بعدهما الوزراء ورؤساء القواد ومن جرى مجراهم من جلة الكتاب والعمال ووجوه القضاة والكبراء بعد أن مدحهم، وأخذ جوائزهم، وحاله في ذلك تنبئ عن سوء العهد وخبث الطريقة. ومما قبح فيه أيضا وعدل عن طريق الشعراء المحمودة أني وجدته قد نقل نحوا من عشرين قصيدة من مدائحه لجماعة توفر حظه منهم عليها إلى مدح غيرهم، وأمات أسماء من مدحه أولا مع سعة ذرعه بقول الشعر واقتداره على التوسع فيه ...
وقال أحمد بن أبي طاهر: ما رأيت أقل وفاء من البحتري ولا أسقط، رأيته قائما ينشد أحمد بن الخصيب مدحا له فيه، فحلف ليجلسن، ثم وصله واسترضى له المنتصر - وكان غضبان عليه - ثم أوصل له مديحا إليه، وأخذ له منه مالا فدفعه إليه، ثم نكب المستعين أحمد بن الخصيب بعد فعله هذا بشهور، فلعهدي به قائما ينشده:
لابن الخصيب الويل! كيف انبرى
بإفكه المردي وإبطاله؟! ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
يا ناصر الدين انتصر موشكا
من كائد الدين ومغتاله
فهو حلال الدم والمال إن
نظرت في ظاهر أحواله
Unknown page