243

Ibn Rumi

ابن الرومي: حياته من شعره

Genres

فيكم بالنفس لا يخشى الغبن

وليس يجوز الشك في تشيع من يقول هذا القول، ويشعر هذا الشعور؛ فإنه يعرض نفسه للموت في غير طائل حبا لبني علي، وغضبا لهم، وإشهارا لعاطفة لا تفيده ولا تفيدهم، وقد كان لا يذكر يحيى بن عمر إلا بلقب الشهيد، كما ذكره في القصيدة الجيمية، وفي خاطرة أخرى مفردة نظمها في هذين البيتين:

كسته القنا حلة من دم

فأضحت لدى الله من أرجوان

جزته معانقة الدارعين

معانقة القاصرات الحسان

وبعض هذا يكفي في الدلالة على تشيعه للطالبيين، واتخاذه التشيع مذهبا في الخلافة كمذهب الشعراء أو غير الشعراء، ولا سيما التشيع المعتدل الذي يقول أهله بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، ويستنكرون لعن الصحابة الذين عارضوا عليا في الخلافة، ومعظم هؤلاء من الزيدية الذين خرجوا في جند يحيى بن عمر لقتال بني العباس.

فهم لا يقولون في نصرة آل علي أشد مما قال ابن الرومي، ولا يتمنون لهم أكثر مما تمنى.

ويلوح لنا أن ابن الرومي ورث التشيع وراثة من أمه وأبيه؛ لأن أمه كانت فارسية الأصل، فهي أقرب إلى مذهب قومها الفرس في نصرة العلويين؛ ولأن أباه سماه عليا وهو من أسماء الشيعة المحبوبة التي يتجنبها المتشددون من أنصار الخلفاء، ولا حرج على أبي الشاعر أن يتشيع وهو في خدمة بيت من بيوت العباسيين؛ لأن مواليه كانوا أناسا بعيدين من الخلافة وولاية العهد، وهما علة البغضاء الشديدة بين العباسيين والعلويين. وقد اتفق لبعض الخلفاء وولاة العهد أنفسهم أنهم كانوا يكرمون عليا وأبناءه، كما كان مشهورا عن «المعتضد» الخليفة الذي أكثر ابن الرومي من مدحه، وكما كان مشهورا عن «المنتصر» ولي العهد الذي قيل: إنه قتل أباه «المتوكل» جريرة ملاحاة وقعت بينهما في الذب عن حرمة علي وآله. •••

ومع هذا لم يخطئ المعري حين ظن أن للشعراء تشيعا غير تشيع الدين والعصبية؛ إذ كان الشعراء في كل زمن يؤخذون بالعاطفة، وتستجيشهم البواعث الحية التي تجيش لها القلوب من حولهم، وكانت العاطفة أبدا مع بني علي، حيث كانت المصلحة أبدا مع بني العباس. وقد برز هذا الفارق في مقتل يحيى بن عمر خاصة؛ لأنه كان محبوبا معطوفا عليه لشجاعته ونخوته، وكرم نفسه وشبابه وجماله، وكان معذورا في خروجه على العباسيين؛ لأنهم حرموه رزقه حتى عز عليه القوت، وجاع وأترب، وتبين ذلك لأنصاره فكانوا يعرضون عليه الطعام فيأباه ويقول: «إن عشنا أكلنا.» وفي ذلك يقول ابن الرومي من القصيدة الجيمية:

Unknown page