Ibn Ḥazm ḥayātuh wa-ʿaṣruhu ārāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
Publisher Location
القاهرة
٥٣ - وأنه يظهر من ثنايا الحوادث وملاحظة الأماكن المتقاربة أن ابن حزم كان يدارس وينشر آراءه حيثما حل واتجه. وأنه كان ينتقل بين بلنسية وميورقة لتقاربهما، ويعود إلى قرطبة، وقد وجد في ميورقة أتباعاً كثيرين، حتى أنه رأس فيها وسيطر بفكره ويظهر أن الذي مكن له في ذلك أنه كان له صاحب اسمه أحمد بن رشيق وكانت لهذا ولايتها. وقد توفى ابن رشيق سنة ٤٤٠، ويظهر أنه بعد موته، قد ضعف أمر ابن حزم، وتظاهر عليه الفقهاء كما تظاهروا من قبل واستعانوا بأبي الوليد الباجي الذي عاد من الشرق في هذا العام، فناقش ابن حزم، وانتصر عليه كما يقول المؤرخون:
وعندي أنه ما كان الانتصار بالحجة والبرهان، بل كان بقوة السلطان، فما أفلح عليه بحجة، ولكن ذهب المناصر، فتظاهر الفقهاء عليه، وألبوا عليه السلطان، وخرج من ميورقة لا مغلوباً في حجاج، ولكن قد فقد النصير المؤيد، ولم يعد الانتصار للحجة، بل صار الانتصار لمن هو أكثر عدداً وأعز نفراً.
ولقد كان الذي يأخذه الفقهاء عليه أنه يخالف المذهب المالكي ويشن عليه الغارة، ويضرب بأقوال المالكية في الرأي عرض الحائط، لأنه يعتمد على النصوص، ويحسب في زعمه أنها كل شيء.
إحراق كتبه وعودته إلى بلده
٥٤ - غادر ابن حزم جزيرة ميورقة بعد حلول الباجي بها ومناصرة أميرها بعد ابن رشيق للفقهاء الذين تألبوا عليه، ولم تذكر كتب التاريخ ولا كتب التراجم إلى أين غادرها، إلى قرطبة مقر رأسه، أم إلى بلنسية أم إلى المرية أم إلى الشاطبة؟ لعله مر على كل هذه المدائن مرتحلا حاملا علمه في صدره، وكتبه على أحمالها، ولسانه وقلبه صارمان صادعان بكل ما يعتقده ويؤمن به، فقد كان كثير الرحلة في المدن الأندلسية، وقد تجزأت الدولة في هذا الإبان إلى أجزاء على كل جزء أمير، يتلقب بألقاب المعتصم، والمعتضد إلى آخره حتى لقد قال أحد الشعراء بعد ذلك:
46