44

Ibn Ḥazm ḥayātuh wa-ʿaṣruhu ārāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

Publisher Location

القاهرة

فهذا يدل على أنه كان له منزل بالشاطبة ينزل به كلما أراد استجماماً أو طلباً للهدوء والاطمئنان ، فيكون انتقاله إلى شاطبة ليس من الانتقال الاضطراري ، بل هو انتقال اختياري حر ، إلا أن يكون ما يوجبه من اضطراب أو قهر غالب .

٥١ - وليس كل تغريب نال ابن حزم كان من السلطان سببه السياسة بل بعضه سببه العلم :

وقبل أن نذكر شيئاً من ذلك نذكر انتقاله إلى القيروان بالمغرب . فإنه يثبت أنه أقام في القيروان أمداً اختلف فيه إلى علمائها واختلفوا إليه وناقشهم وناقشوه ، وتبادلوا أوجه النظر المختلفة ، فقد ذكر هو ذلك فقال :

«ولقد سألني يوماً أبو عبد الله محمد بن كليب من أهل القيروان أيام كوني بالمدينة، وكان طويل اللسان جداً مثقفاً للسؤال في كل فن»(١).

فهذا الخبر يدل على انتقاله إلى القيروان وإقامته بها ، واستئناسه بعلمائها وعقد مجالس المناظرات بينهم ، ولم يذكر في طوق الحمامة سبب انتقاله إلى القيروان ولا سنة انتقاله إليها ، كما كان يذكر في كثير من الأخبار، ويظهر أن انتقاله إليها كان اختياراً ، ولم يكن اضطراراً ، فلم يلجئه إليه أمير ولا وزير. ولو كان ذلك بإلجاء لذكره كما هو الشأن في أخباره ، إذ يذكرها مع السبب صريحاً مكشوفاً ليكون معروفاً عند الناس ، ولا يهمه في ذلك سخط الناس أو رضاهم ، وأحداث النفي والحبس لا يضن فيها بالذكر ، لأنه ذو نفس ذات حس قوي . كل ألم يترك فيها ندوباً فيذكرها عند ما يناسبها ، ولا يضن على القرطاس ببيانها ، ليسجلها للأجيال فتذكر لأصحابها .

وإذا لم يذكر ابن حزم التاريخ فإنا نستنبط أنه لم يكن في آخر حياته ، وذلك لأن كتاب طوق الحمامة الذي سجل فيه هذه الوقائع لم يكن آخر كتبه أو من آخر ما ألف ، بل كان أول ما ألف ، وعباراته تدل على أنه كتبه ، ورقراق الشباب لا يزال في نفسه وجسمه ، ولقد ادعى بعض الباحثين أنه

(١) طوق الحمامة ص ٤٦.

44