18

Ibn Ḥazm ḥayātuh wa-ʿaṣruhu ārāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

Publisher Location

القاهرة

ولكننا مع الأسف نراه الفقيه العنيف في تعبيره الشديد في خصومته حتى ليرمى بأنه عرف العلم ولم يعرف سياسة العلم، كما ذكرنا آنفاً. ذلك لأن حياة ذلك العالم الجليل في ذلك الفردوس لم تكن هادئة، بل إن ذلك الوزير الذي ساس وحكم تعرض لأشد أنواع الأذى، فنفي وسجن، فهو قد تقلب في أعطاف النعيم في صدر حياته، ثم تقلب بعد ذلك في جحيم من الاضطهاد في الشطر الأخير من حياته ولم يكن في المال قلا، وإن كان قد فقد منه الكثير في إبان اضطهاده، ولكن الباقي لم يكن قليلا، بحيث يجعله في المال قلا.

ولقد كان أشد مناوأة له، وتحريضاً عليه العلماء كما ذكرنا، ولقد كانوا ينكرون عليه ظاهريته، وينكرون عليه خروجه عليهم، فلما تصدى للرد عليهم نالهم بمثل ما يحس به نحوهم، وإن كانت ألفاظه حادة جافية، فأفعالهم نحوه كانت أجفى وأحد.

ومن أجل ذلك وجدنا ذلك الأديب المرهف الذوق والوجدان عنيفاً في تعبيره عن مخالفيه وقد سبقوه هم بالشدة ومناصبة العداوة، ولذلك كله موضعه من البيان.

هذه صور ليست كاملة التصوير عرضناها عرضاً سريعاً، ليرى القارئ الكريم منهاجنا وما سنسلكه، وما سنتبعه في دراستنا لذلك الإمام الفقيه، والباحث المستقصى والمجادل القوي، والكاتب الأريب.

وإن ذلك المنهاج مع صعوبة تحقيقه على الوجه الأكمل، أو القريب من الكمال يوجب علينا أن نضيف أبواباً في الدراسة لم تكن في كتب الأئمة الذين سبقنا إليهم بالكتابة، فإنه لا يسوغ لنا أن نكتب فيه من غير أن نتصدى لأسلوبه في نثره الفني، وإن ذلك إن لم يكن من عمل الفقهاء فإنه لا يصح أن يفوت من يترجم له، ويتكلم في حياته ونواحي نشاطه المختلفة، ولا شك أن ذلك يكون بإيجاز لا إطناب فيه، أو بالحري سيكون بإمامة من غير استفاضة، حتى لا تخرج عن الغرض المقصود، والغاية المنشودة. وهي دراسة ابن حزم العالم الفقيه، والعالم الإسلامي. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسهل لنا الصعب، ويهيء لنا من أمرنا رشدا.

18