98

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

اللقاء في الزمن الذي كان فيه الشافعي يلقي دروسه بالمسجد الحرام، وهو يفكر في وضع أصول الاستنباط، عقب أن عاد إلى مكة، بعد مدارسة محمد بن الحسن فقه الرأي ببغداد. ولقد صرح أحمد حين استمع إليه بأن إعجابه بعقله الفقهي، لا بروايته، وصرح بذلك لصاحبه إسحق بن راهوية، فقد قال له كما نقلنا في صدر حياته: «يا أبا يعقوب اقتبس من الرجل، فإنه ما رأت عيناي مثله».

فهو قد أعجب بعقل الشافعي، وتفكيره الفقهي، ولذا كان يقول فيه كما ذكرنا من قبل: «يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة رجل يقيم لها أمر دينها، فكان عمر عبد العزيز على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة».

وإذا كان إعجابه منصبًا على أخص ما امتاز به الشافعي، وهو التفكير الفقهي، والضبط العقلي، ووضع أصول الاستنباط، فهو يعد الموجه الثاني لأحمد بن حنبل رضي الله عنه. وجهه هشيم في صدر حياته إلى الحديث، وطلب السنة، واستخرج الفقه من بين ثناياها على أن تكون هي المقصد الأسمى، ووجهه الشافعي إلى أصول الاستنباط، فتوجه أحمد إلى الينبوعين، وإن كان طلب السنة أغلب، والعمل الفقهي أقل بالإضافة إلى الأول، وإن لم يكن هو في ذاته قدرًا قليلاً، بل كان حظًا كبيرًا.

١٠١ لم يكن اختصاصنا بالذكر لهذين الشيخين الجليلين من شيوخ أحمد ليغض من قدر ما تلقاه من غيرهما، فإنه قد تلقى عن غيرهم الكثير من السنن والآثار، وكان يرحل إلى بعضهم الرحلات المختلفة، وكل له فضل في القدر الذي وصل إليه أحمد من العلم، وإن كانت المقادير متفاوتة متنوعة الإسناد والروايات، وإنما خصصنا هذين الإمامين بالذكر، لأنا نحسب أن لهما فضل التوجيه، لا فضل التكوين، وإنما التكوين كان في حرصه على التلقي، ومقدار ما تلقى، ونوعه، وقد تلقى كثيرًا، وعن كثيرين لا يحصيهم العدد، وقد شرحنا في أثناء سرد حياته كيف كانت هجرته في طلب العلم، ومن هاجر إليهم، وفيما ذكرنا هناك ما يغني عن الذكر هنا.

(٧)

97