Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
وأن يزج في السجن، ولقد نزل البلاد واشتد، حتى أصبح الناس لا ينظرون إليها على أنها مغالبة رأي برأي، ولا على أنها إثبات تنزيه الله سبحانه وتعالى، بل على أنها محنة قاسية نزلت بالإسلام والمسلمين، وأئمة الهدى والدين، وأنها تفتيش عن القلوب والضمائر، واختبار للنفوس والسرائر، فأبعد المخطئ في خطئه، وظنوا الخير فيه، والشر فيما يدعوهم السلطان إليه، وانتهى الأمر بأن الآراء التي تؤيد بالقوة والتعذيب لا يكون لها الغلب، ولو كانت محض الحق المبين، وكلما زادوا في المحنة زاد الناس للممتحنين إجلالا، ولفكرهم اتباعا، وقالوا لو كان خيرا ما يدعون إليه ما كان العذاب سبيله، والسجن والتقييد طريقه.
٦٣- مات المأمون وأحمد قد سيق إليه مقيدا بالأغلال، ومصفدا بالحديد، ولكن موته لم ينه المحنة، بل ابتدأت تأخذ دورا أقسى وأشد وأحد، وأعم، ذلك أنه ضمن ما أوصى به أخاه المعتصم أمرين (أحدهما) وصية بالاستمساك بدعوته في مسألة خلق القرآن، (وثانيهما) وهو الأشد، الاستمساك بأحمد بن أبي دؤاد، ذلك أن أحمد هذا هو صاحب الفكرة في حمل الناس على ذلك القول بقوة السلطان، وعنف الامتحان، وإنزال البلاء، والسجن، والتقييد ووضع الأغلال.
وإن المعتصم لم يكن رجل علم ، بل كان رجل سيف ، لا يضعه عن عاتقه ، فترك أمر خلق القرآن لابن أبى دؤاد يدبر الأمر فيه ، لينفذ وصية المأمون فى ذلك .
وقد تبين أن أحمد بن حنبل كان مقيدا مسوقا عندما مات المأمون ، فأعيد إلى السجن ببغداد ، حتى يصدر فى شأنه أمر ، ثم سيق إلى المعتصم ، واتخذت معه ذرائع الاغراء والارهاب ، فما أجدى فى حمله ترغيب ، ولا ترهيب ، فلما لم يجد القول رغبا ورهبا ، نفذوا الوعيد ، فأخذوا يضربونه بالسياط المرة بعد الأخرى ، ولم يترك فى كل مرة ، حتى يغمى عليه ، وينخس بالسيف ، فلا يحس ، وتكرر ذلك ، مع حبسه نحوا من ثمانية وعشرين شهرا ، فلما استيئسوا منه ، وثارت فى نفوسهم بعض نوازع الرحمة أطلقوا سراحة ، وأعادوه إلى بيته وقد أثخنته الجراح ، وأثقله الضرب المبرح المتوالى ، والالقاء فى غيابات السجن.
(٥)
65