63

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

الكلام الذي وصف نفسه بها، لا يستدعي أن يكون القرآن قديماً.

٥٩- وإن سلمنا لأحمد بن أبي دؤاد، وللمعتزلة عامة بصواب نظرهم في هذه القضية، فهل نسلم لهم مسلكهم في إنزال الأذى بمخالفيهم، وخصوصاً أهل التقى والفضل، ونسلم لهم أن يمتحنوا الضمائر، ويكشفوا السرائر؟ إن ذلك هو موضع النقد، انتقده الناس عليهم قديماً، في عصر أحمد، حتى انتقده بعض من كانوا يرون مثل رأيهم، وحتى اضطر الجاحظ المعتزلي الذي كان يعاصر أحمد، إلى الدفاع عن ذلك، فقال في إحدى كتاباته في الدفاع عن الابتلاء، وكشف السرائر، والتكفير والاضطهاد: ((وبعد فنحن لم نتكفر إلا من أوسعناه حجة، ولم نمتحن إلا أهل التهمة، وليس كشف المتهم من التجسس، ولا امتحان الظنين من هتك الأستار، ولو كان كل كشف هتكاً، وكل امتحان تجسساً لكان القاضي أهتك الناس لستر، وأشد الناس تتبعاً لعورة))(١)

وهذه القضية ليست صادقة، فهم لم يخصوا بامتحانهم أهل التهمة، بل عمموا، حتى نزلت بأكبر أهل الفضل، فهل كان مثل أحمد متهماً في دينه، فإنه إذا كان مثل أحمد من أهل التهمة، فلا دين، ولا تدين، وعلى الدنيا العفاء، لذلك لم يكن لمثل كلام الجاحظ قول في هذا المقام.

وإذا كان الأمر كذلك فليس الاضطهاد والأذى صواباً، ولا مبرر له في نظرنا، ولكن أكان الذين فعلوا ذلك لم يكن لهم أي مبرر، وإن كنا لا نوافق عليه، وهل لنا أن نحكم بأن أولئك العلماء ارتكبوا ما ارتكبوا لمحض الكيد والأذى من غير باعث، وإن لم يكن قوياً يبرر الأذى والانتقام؟

هذا هو السؤال الذي يضطرب في النفس ((ولا يجد الإنسان الجواب القاطع عليه، وإذا لم يكن الجزم القاطع بالسلب أو الإيجاب له طريق قريب أو بعيد، فلم يبق إلا أن نتعرف بطريق الظن، وقد يهدينا إلى أمر راجح، وإن أسباب الترجيح بين أيدينا، فإن عدمنا سبب اليقين، لم نعدم سبب الظن الراجح،

(١) الفصول المختارة من كتب الجاحظ لعبيد الله بن حسان.

62