185

Ibn Ḥanbal ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu – ārāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

نسبتها إليهم ، لأنهم لا يجيزون ما ليس بصادق عندهم، فأجازتهم بلا ريب دليل الصدق، والموافقة الكاملة على الصحة.

وإن تلقى علماء عصره لمروياته بالقبول هو وحده دليل على الصدق، ولقد صدقوه ونقلوا عنه، فقد قال أبو بكر محمد بن الحسين: ((كلنا تبع للخلال، لأنه لم يسبقه إلى جمعه، وعلمه أحد)) وقال أيضا: ((كل من طلب العلم يقابل أبا بكر الخلال، من يقدر على ما يقدر عليه الخلال من الرواية))(١)

والشهادات بصحة نقله كثيرة، ومن أكبر علماء ذلك المذهب، وما كانوا ليتضافروا على هذا الصدق لو كان عندهم ريب، ولقد كان حريصا على أن يأخذ كل ما نقل بالسماع كما قلنا، ولكنه في النقل عن شيوخه الذين لهم عليه فضل التعليم والتثقيف كان لا يحب أن يخمل ذكرهم، بل يذكر ما نقل عنهم بالنسبة إليهم، وغيرهم ما كان يتحرى دائما ذكر النسبة، وهذا لا ينفي أن جميع ما نقله كان لا يكتفي فيه بالتدوين من غير سماع من صاحبه، ولذلك قال لمن اعترض عليه قل في كل ما كتبنا حدثنا، ولو كان يكتفي بالنقل عن مكتوبات من غير سماع ما كانت هذه الرحلات الكثيرة التي قام بها مع بعد الشقة بين الأقاليم الإسلامية التي رحل إليها، ومع عظيم المشقة التي احتملها.

٧٠ - وما الكتب التي نقل بها ذلك المذهب؟ قال ابن الجوزي: ((صنفها كتبا منها كتاب الجامع في نحو مائتي جزء)) ويظهر أن كتاب الجامع هذا هو الذي نقل به الفقه الحنبلي. أما غيره من الكتب، فقد كانت في موضوعات أخرى، ولذلك قال ابن القيم فيما نقلنا عنه آنفا: ((جمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ نحو عشرين سفرا، أو أكثر)) وهذا الكلام يدل على أن الجامع الكبير هذا هو الذي جمع فقه أحمد بكل طرق رواياته، ولكن يبقى أن ابن الجوزي ذكر أن الجامع في نحو مائتي جزء، بينما ابن القيم ذكر أن الجامع يقع في عشرين سفرا أو أكثر، ولا تعارض في الحقيقة، لأن ابن القيم عبر بالسفر، والسفر هو المجلد الضخم، وابن الجوزي عبر بالجزء، والجزء عند المتقدمين كان يطلق على الكراسة، أو ما يقاربها، أو ضعفها، ولسنا نذكر ذلك من غير بينة، بل يؤخذ من عبارات الخلال نفسه ذلك التفسير، فقد نقلنا

(١) تاريخ بغداد = ٥ من ١١٣

184