Ibn Ḥanbal ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu – ārāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ولا مالك، وعليك بالأصل )): ((وسئل عن ناس من أهل الحديث يكتبون كتب الشافعي فقال: (( لا أرى لهم ذلك ، وسئل عن كتب أبي ثور ، فقال : كتاب ابتدع فهو بدعة ، وعليكم بالحديث»
ويظهر أنه لم يستجز في أول تصديه للحديث إلا نقل موطأ مالك ، لأنه كتاب حديث ، وإن كان فيه فقه .
وكان يكره أن تنقل عنه فتاويه بالشفاه ، بعد أن كره وضعها في الكتاب ، يروى أنه بلغه أن أحد من التقوا به يروى عنه مسائل بخراسان ، فصاح في أصحابه، اشهدوا أني قد رجعت عن ذلك كله (١).
٣٨ - ومع صدق هذه الأخبار التي نقلت عنه في النهي عن رواية الفتيا عنه والاقتصار على رواية الحديث ، نرى أخبارا أخرى تدل على أنه كان يجيز ذلك النقل بالكتاب والمشافهة ، بل إنه كان يراجع المكتوب أحيانا، ويتقبل تلك المراجعة.
والتوفيق بين النقلين أن نقول إن أحمد كان في صدر حياته ينهى عن أن ينقل عنه غير الحديث ؛ لأنه ما كان يستجيز لنفسه أن تنشر عنه فتاويه، لأنه يرى الإفتاء نوعا من الابتلاء ينزل بالفقيه، فيضطر إلى أن يذكر حكم الأمر الذي لم يرو فيه نص صريح عن النبي ﷺ ولا فتوى في موضوعه عن أصحابه، فيفتي حيث لا يكون نص متبع وذلك ما كان يرى أحمد أنه يصح الالتجاء إليه إلا عند الضرورة، وما يذكر ضرورة لا ينشر، وهو ابتلاء لا يحسن التوسع فيه ، ولا الاسترسال ، أما إذا كان في موضع الإفتاء حديث أو أثر ، فذلك اتباع ، ونشره نشر للحديث، وهكذا كان أحمد في مبدأ تصديه للفتوى والتحديث ، ولكنه اضطر في آخر أمره أن يجيز كتابة فتاويه ، بل نشرها يروى أن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني المتوفى سنة ٢٧٤ أحد أصحاب أحمد قال: «سألت أبا عبد الله عن مسائل نكتبها فقال، أي شيء تكتب يا أبا الحسن ، فلولا الحياء منك ما تركتك تكتبها ، وإنه على الشديد، والحديث أحب إلى منها ، قلت : إنما تطيب نفسي في الحمل عنك، إنك تعلم أنه منذ مضى رسول الله
(١) راجع هذا وما يشبهه في المناقب لابن الجوزي. وهذا الراوي هو إسحق بن منصور المروزي وسنبين أن أحمد أقر ثانيا ما روى.
156