جولد تسهير هذا، وأمثاله من عباقرة رجال الاستشراق، هم الذين أثاروا غبار وحدة الوجود على رجال التصوف الإسلامي والحب الإلهي.
وجرى في أعقابهم بعض المتعالمين من كتابنا، الذين تعيش أفكارهم على فتات الموائد الأوروبية؛ فرموا بالكلم المسموم، والاتهام الشائن.
ويتفلسف المستشرقون، ويتفلسف المتعالمون، فيقولون : إن للتصوف الإسلامي علاقة وثيقة ببوذا والهند، وإن وحدة الوجود عند متصوفة الإسلام من الصوفية البوذية، ولمحات من صوفية المدرسة الإشراقية.
ونسوا أن التصوف الإسلامي قام على كتاب الله وهدي نبيه، وأن الصوفي المسلم يقرأ في كتاب ربه:
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
فيقرأ خلاصة العلم الذي يتعلمه طلاب اللاهوت في سائر الملل والنحل، ويطوي تحت هذا البلاغ المبين والنور الغلاب كل فلسفة تتشدق ببحث الصفات والذات.
يقول الشعراني في اليواقيت: «ولعمري، إن عباد الأوثان لم يتجرءوا أن يجعلوا آلهتهم عين الله، بل قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فكيف يظن بأولياء الله أن يدعوا الاتحاد بالحق - سبحانه؟! هذا محال في حقهم - رضوان الله عليهم.»
ومحيي الدين: وهو شيخ المتصوفة الأكبر، وفيلسوفهم الأشهر، الذي رمي فيمن رمي من المتصوفة بهذا الإفك تشهد كتبه، وتشهد آثاره، ويشهد إيمانه، وتشهد تقواه، وينطق حبه لله، بأنه أكبر المدافعين عن التوحيد، وأشد الناس قسوة على من مرق من نطاقه، فنادى أو هتف بوحدة الوجود، وما إلى وحدة الوجود من حلول وإلحاد، بل محيي الدين لا يبيح للشاطحين والمحبين أن يقولوا حتى الألفاظ التي تحتمل التأويل أو الشك، مع براءة الشاطح والمحب من الاتجاه والقصد.
يقول محيي الدين في عقيدته الوسطى: «اعلم أن الله - تعالى - واحد بإجماع، وقيام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء، أو يحل هو في شيء، أو يتحد بشيء.»
ويقول في الباب الثالث من الفتوحات: «اعلم أنه ليس في أحد من الله شيء، ولا يجوز ذلك عليه بوجه من الوجوه.»
Unknown page