ثم يقول ابن عربي: ومن رجال الأنفاس الأقطاب؛ وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو النيابية، ولا يكون منهم في الزمان إلا واحد، وهو الغوث أيضا، وهو سيد الجماعة في زمانه.
ومنهم من يكون ظاهر الحكم؛ فيحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز والمتوكل، ومنهم من حاز الخلافة الباطنية خاصة، ولا حكم له في الظاهر، كأحمد بن هارون الرشيد والسبتي والبسطامي ؛ وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر.
ومنهم الأئمة: ولا يزيدون في كل زمان عن اثنين لا ثالث لهما، وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات، وهما للقطب بمنزلة الوزيرين.
ومنهم الأوتاد: وهم أربعة في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، وقد يكون منهم النساء، ولكن يغلب عليهم الرجال.
ومنهم الأبدال: وعددهم سبعة لا يزيدون أيضا ولا ينقصون، كل واحد منهم على قدم نبي؛ فالأول على قدم الخليل، ثم الكليم، ثم هارون، ثم إدريس، ثم يوسف، ثم عيسى، ثم آدم - عليهم السلام.
وهؤلاء يعلمون علم الكواكب، وأسرار سيرها ونزولها في المنازل المقدرة لها، وقد كان الأبدال بهذه المكانة بالأمور الأربعة التي اشترطها أبو طالب المكي، وهي: الجوع والسهر والصمت والعزلة.
ثم النقباء: وهم اثنا عشر نقيبا في كل زمان ومكان، لا يزيدون ولا ينقصون، على عدد أبراج الفلك الاثنى عشر برجا، كل نقيب عالم بخاصة كل برج، وبما أودع الله فيه من الأسرار والتأثيرات، وبأيديهم علوم الشرائع المنزلة، ولهم الاطلاع على خبايا النفوس، وإبليس عندهم مكشوف يعلمون من أمره ما لا يعلم من أمر نفسه، ويعلمون أثر الأقدام، فيقولون: هذا قدم شقي، وهذا قدم سعيد.
ومنهم النجباء: وهم أهل الكشف والاطلاع، والحواريون: ومقامهم التحدي والنجدة، والرجبيون: ولهم التجليات والكشوفات.
ومنهم رجال الأنفاس: وهم أهل خشوع لا يتكلمون إلا همسا، وهؤلاء هم المستورون الذي لا يعرفون، خبأهم الحق - سبحانه - في أرضه؛ فلا يناجون سواه، ولا يشهدون غيره، يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، دأبهم الحياء، إذا سمعوا أحدا يرفع صوته في كلامه، ترتعد فرائصهم ويتعجبون؛ وذلك لأنهم لغلبة الحال عليهم يتخيلون أن التجلي الذي أورث عندهم الخشوع والحياء يراه كل إنسان، ويرون أن الله قد أمر عباده أن يغضوا أصواتهم عند رسول الله - صلوات الله عليه، فإذا تلي حديث رسول الله لا يجب رفع الصوت عليه، كما يجب الصمت عند تلاوة القرآن.
ومنهم الظاهرون: وهم قسمان: ظاهرون بأمر الله في الدنيا قائمون بحقوقه، تخرق العوائد لهم عادة، وظاهرون في العالم الأعلى لا يعرفون في الدنيا، وهؤلاء لا يرون سوى الله في الأكوان، والأكوان عندهم مظاهر الحق.
Unknown page