واستقر بدمشق، وأقبلت عليه الدنيا، وحملت إليه عطايا ملوك الأرض وسادتها؛ فكان يتصدق بكل ما يصل إليه حتى لقب بريح الكرم.
يقول الإمام صفي الدين، في رسالته عمن رأى من سادات عصره: «ورأيت بدمشق الشيخ الإمام العارف الوحيد محيي الدين بن العربي، وكان من أكابر علماء الطريق، جميع بين سائر العلوم الكسبية، وما وقر له من العلوم الوهبية، ومنزلته شهيرة، وتصانيفه كثيرة، وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وحالا، خلقه هو القرآن.
وهو حجة الله الظاهرة وآيته الباهرة.»
صلاته بالملوك
محيي الدين هو بين رجال التصوف، صاحب الملوك، كما يلقب في التصوف بالسلطان، ويعطى مقام السلطنة، وهو في خلقه وشمائله، وعزيمته ومواهبه ملك من ملوك الروح لا يطاول ولا يسامى.
ولقد اتصل محيي الدين في مطلع شبابه بملك مراكش، وصادقه وصافاه وعمل معه وله، ثم هبط إلى مصر؛ فأحبه واليها وأكبره والتمس منه الصحبة والبقاء، فسمح له بالصحبة وأبى البقاء.
ثم استقر بالشام، فاتصل حبله بملوك الأيوبيين، وهم فرسان الدنيا وسادة الشرق في ذلك الوقت، وحماة الإسلام في وجه الصليبيين؛ فرفعوه مكانا عليا، وسعوا إليه يلتمسون لديه العلم، كما يلتمسون الدعاء.
1
ولم تقم صلاته بالملوك على الزلفى والتملق، فما ينبغي لرجال الله هذا وحاشاه منه، وهو من هو في أنواره ومقاماته، بل قام محيي الدين لديهم مقام كلمة الحق، مقام المربي المرشد، مقام العالم الأمين على رسالته؛ فلا تأخذه في الحق لومة لائم، فهو الناصح أبدا، الناصر للحق في لفتاته وإشاراته.
يقول محيي الدين: «كانت لي كلمة مسموعة عند الملك الظاهر صاحب مدينة حلب، ابن الملك الناصر لدين الله صلاح الدين بن يوسف بن أيوب، فرفعت إليه من حوائج الناس في مجلس واحد مائة وثمان عشر حاجة قضاها كلها، وكان منها: أني كلمته في رجل أظهر سره وقدح في ملكه، وكان من جملة بطانته، وعزم على قتله.
Unknown page