وسئل عن اختراق الهواء، فقال: إن الطير ليخترق الهواء، والمؤمن عند الله عقلا وشرعا أفضل من الطير، فكيف يحسب كرامة من شاركه فيها طائر؟!
ثم قال: إلهي، إن قوما طلبوك لما ذكروه، فشغلتهم به، وأهلتهم له، مهما أهلتني لشيء، فأهلني لشيء من أشيائك، أي: من أسرارك.
فما طلب أبو اليزيد إلا العلم؛ والعلم أفضل ما في فضل الله. قال - تعالى:
آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما .
فالعلم أفضل الكرامات المعنوية، وهي الكرامة التي ظفر بها محيي الدين؛ فخلد في دنياه وفاز برضوان الله.
بين الشطح والفتوة
وكما كان محيي الدين من خصوم الكرامات المادية، فهو أيضا من خصوم الشطح والشاطحين؛ لأن الشطح لون من ألوان الفخر، أو لون من ألوان المباهاة والتطاول، وأصله دعوى يفصح بها الشاطح عن مرتبته التي أعطاها الله له من غير أمر إلهي على طريقة الفخر.
والشطح ذلة المحققين، أو كما يقول محيي الدين: «لقد وقع من بعض الأكابر ولا أسميهم؛ لأنه صفة نقص، وأما من سواهم فلا كلام لنا معهم؛ لأنهم رعاع بالنظر إلى هؤلاء السادة، وإذا وقع مثل هذا من السادة، فعليهم يقع العتب منا.
وليس الشطح من الفتوة كما يدعون؛ فالفتي لا يراعي الخلق، ولا يتعالى عليهم؛ لأن التعالي إنما هو لله - سبحانه وتعالى، وأصل الفتوة أن تخرج عن حفظ نفسك إيثارا لحظ غيرك، وحقيقتها أن يؤثر الإنسان العلم الوارد من الله على ألسنة الرسل على هوى نفسه، وعلى أدلة عقله، وما حكم به فكره ونظره.
هذا هو الفتي، فإذا ورد على نفسه خاطر أوهمه بأنه أمر إلهي يعارض الشرع المقرر؛ فقد خيل له أو التبس عليه، فيرمي به ولا يلتفت إليه، ويرجع إلى حكم الشرع الثابت؛ فإنه قد ثبت عند أهل الكشف جميعا: أنه لا تحليل ولا تحريم، ولا شيء من أحكام الشرع، بعد انقطاع الرسالة والنبوة، لأحد من خلق الله.
Unknown page