وللمدرسة الجنيدية، سمتها في التربية والتصفية، ورسالتها في الفقه والتوحيد.
وللمدرسة الشامية، الدقائق والرقائق، ومحاسبة النفس وتزكيتها، وعصمة الجوارح وتطهيرها.
وللمدرسة الحلاجية، مواجيدها وألحانها، وسبحاتها في المحبة والفناء؛ وهكذا المدارس الصوفية قديمها وحديثها، لكل منها ذوقه ومشاهده ومناهجه.
ولكن مدرسة من تلك المدارس، لم تحدث في عالم الفكر دويا كما أحدثت المدرسة الأكبرية التي تنتسب إلى الشيخ الأكبر.
وليس مرجع هذا أنها أكثر هذه المدارس أتباعا، وأضخمها جمهورا؛ وإنما مرجعه أنها مدرسة العقل الجبار المحلق، مدرسة الثقافة السامقة الشامخة، مدرسة الروحانية في صولتها العنيفة الفاتحة.
ومن هنا تتلمذ على هذه المدرسة أضخم العقول التي عرفها الفكر الإسلامي، ومشى تحت مواكبها الصفوة المختارة المنتقاة من رجال الروح والإيمان.
وامتد أفق هذه المدرسة إلى خارج الحدود الإسلامية؛ فاجتذبت إليها كل عقل قوي، وكل روح كبير، وأشاعت داخل الأفق الإسلامي نورا سار على هديه رجال على بصيرة من أمرهم، وعلى يقين من رسالتهم فحملوا الشعلة المقدسة، وراحوا يحفظون للقلب الإسلامي تشرفه إلى أعلى قمم الإيمان، ويضيفون إلى الروحانية الإسلامية خاصة والروحانية العالمية عامة الزاد الحي القوي بكل ثمراته ووثباته وفتوحاته.
يقول الدكتور زكي مبارك:
1 «... إن ابن عربي لا نعرف أهميته إلا إذا فكرنا جيدا فيما ترك من ثروة ضخمة، يجب أن نتذكر أنه ترك ألوف الصفحات، ومئات القصائد، وفي كل صحيفة ثورة فكرية، وفي كل قصيدة وثبة وجدانية، وأنه راض اللغة على الطواعية للرموز والإشارات، وأنه علم الناس كيف يخوضون في أخطر الأحاديث ثم يسلمون، وأنه هضم ما درس من الفلسفة اليونانية، ومن أصول الديانة اليهودية والديانة المسيحية والديانة الإسلامية، ثم أحال ذلك كله إلى مزاج من الفكر الفلسفي الدقيق يعز على من رامه ويطول.
ويجب أن نتذكر خطر المؤلفات التي صنفت في الرد عليه أو الدفاع عنه؛ فتلك حركة فكرية لا يمكن إغفالها عند تقويم أثر ذلك الباحث الجليل، ولا يتسع المجال لبيان أثر ابن عربي فيمن جاء بعده من المفكرين؛ فذلك شيء ضخم عظيم.»
Unknown page