ويصل ابن عمار إلى مكان قريب من القلعة فيأمر الكوكبة أن تختفي وراء الجبال ويصطحب هو جنديين يقصد بهما إلى القلعة، ثم ينادي ابن عمار على صاحبها المتمرد فيجيبه فيقول ابن عمار: هلا نزلت إلي أحدثك حديثا قصيرا؟
وينظر صاحب القلعة فلا يجد إلا ثلاثة أشخاص فلا يرهب منهم شيئا وينزل إلى ابن عمار فيستقبله خارج القلعة ويأخذ بيده ليعود به إليها، فإذا بالجنديين يطعنان الرجل طعنا متلاحقا دراكا فيسقط في مكانه وقد فارق الحياة، ويرى جنود القلعة ما حدث لقائدهم فتملك الخشية نفوسهم ويستسلمون، ويعود ابن عمار وقد نجحت حيلته ويستقبله المؤتمن والفرح يغمره فيذكر ابن عمار كيف كان يستقبله المعتمد حين كان يعود إليه بعد أن يوقع أعداءه في الأشراك فتدمع عيناه ولكن لات حين ...
وثق المؤتمن في ابن عمار بعد حيلته تلك، وكان المؤتمن يفكر أن يحقق أمنية أبيه فيستولي على قلعة «شقورة» وهي قلعة حصينة لا تتبع لسرقسطة وإن كانت قريبة منها، فطلب إلى ابن عمار أن يستولى عليها بنفس الطريقة التي استولى بها على القلعة المتمردة. ولم يكن ابن عمار يدري أن أهل هذه القلعة قوم أذاقهم هو مر العذاب في مرسية، ولم يكن يدري أن الطريق إليها وعر لا يستوي ولا يعتدل، ولكنه كان يدري أنه يريد أن يعمل وكان يدري أنه لا يطيق الخمول.
تزعم ابن عمار بضعة من الفرسان وكما فعل في المرة الأولى فعل في هذه المرة فأمر الجنود بالاختفاء واصطحب اثنين وعمد إلى القلعة لا يريم، ونادى ابن عمار فلم يجبه أحد فاقترب ونادى فلم يجبه أحد حتى أصبح ملتصقا بجدران القلعة، فإذا حبل قد أحاط بوسطه وإذا هو معلق في الهواء صاعدا إلى أعلى لا يدري من يجتذبه حتى بلغ نافذة للقلعة فأدخل منها وألقي إلى الأرض ثم عاجله القوم بالقيود فأحاطوا بها معاصمه وأقدامه.
وقع ابن عمار أسيرا في يد أعدائه وحاول من معه أن ينقذوه فحين رأوا مناعة القلعة أصبح كل همهم أن ينقلبوا إلى ذويهم سالمين فانقلبوا.
ماذا يفعل صاحب القلعة بابن عمار؟ إنه يدخل عليه فيجبهه. - ألم تر إلى نهايتك يا رجل الجزيرة؟ ماذا تريدني أن أفعل بك؟ لست من أهل السراء حتى أصطنعك لتقول في شعر المديح، ولست ذا ملك حتى أجعلك وزيرا. نعم إنك وزير حصيف، لا شك أنك بضاعة رائجة يا ابن عمار، سأعرضك في سوق الملوك فمن يغلي الثمن كنت له.
فيجيبه ابن عمار والغضب آخذ منه كل مأخذ: ألا والله ما نلتني إلا بالختل القذر، ولا والله ما كنت لأمدح مثلك وإن كنت أكبر الملوك. - أتتحدث عن الختل يا ابن عمار؟ يا لك من جريء وقح! على أنني لن أقتلك كما فعلت أنت بصاحب القلعة، بل أنا سأبيعك يا أخي إلى الملوك؛ لتعود وزيرا كما كنت، ألا تشكرني إذن؟ وخرج الرجل وترك ابن عمار.
لم تكن إجابة ابن عمار الجريئة عن شجاعة خالصة، بل إنه أدرك أن الرجل يجد فيه بضاعة رائجة، فأدرك أنه لن يمسه بسوء حتى يتمكن من بيعه بثمن كبير.
بقي ابن عمار في سجنه وانسابت إلى ذهنه الذكريات وتطلع إلى القابل من الأيام فوجد نفسه يعود إلى أسوأ مما كان في شلب يوم عاد إليها على الحمار؛ فهو اليوم يباع كعبد رقيق وهو لم يكن عبدا في يوم من الأيام، نعم كان عبدا للتملق والخداع، كان عبدا لرغباته ومطامحه، كان عبدا للمديح الذي أحاط به ولكنه لم يكن عبدا في سوق الرقيق فهو يقول دون أن يفارقه كبره:
أصبحت في السوق ينادى على
Unknown page