وأصرح من ذلك الإشارة إلى سلطان إبليس على العالم قصة التجارب التي امتحن بها السيد المسيح في البرية، وكان إبليس هو الذي يجربه ويحاول إغواءه بما يملكه من العروض والمغريات، ويستوفي إنجيل لوقا هذه القصة إذ يقول: «إن يسوع رجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس، وكان يقاد بالروح في البرية أربعين يوما يجربه إبليس، ولم يأكل شيئا في تلك الأيام.
فلما تمت جاع أخيرا، وقال له إبليس: إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا، فأجابه يسوع قائلا: مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله. ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان، وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كله ومجده؛ لأنه إلي قد دفع، وأنا أعطيه لمن أريد، فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع، فأجابه يسوع وقال: اذهب يا شيطان! إنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.
ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل؛ لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك، فأجاب يسوع وقال له: إنه قيل لا تجرب الرب إلهك. ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين.»
3
وهذه القصة أوفى ما جاء في الأناجيل عن سلطان إبليس على ممالك العالم، وأنها دفعت إليه ليعطي منها ما يشاء لمن يشاء، فهو قريب من صورة أهريمان، إله الظلام في ديانة الفرس القديمة، ولكنه لا يملك إلا ما يدفع إليه بمشيئة الإله القادر على كل شيء، وتلك أول تفرقة في الديانات الكتابية بين إله الظلام وأمير الظلام، كما سمي إبليس بعد عهد السيد المسيح.
وآخرة إبليس كما جاء في كلام السيد المسيح تناسب موضعه هذا من العالم، ومن العزة الإلهية، ولا تصعد إلى المنزلة التي أنزل بها الفرس الأقدمون إله الظلام في ديانتهم الثنوية، وفي الإصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متى شرح هذه الآخرة كما ينتهي إليها الملائكة والقديسون، وينتهي إليها الشياطين والأشرار: «ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة والقديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار، ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ... ثم يقول أيضا للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته.»
ويقول السيد المسيح فيما رواه إنجيل لوقا: إن الشيطان يغربل تلاميذه، وقال الرب: «سمعان، سمعان، هو ذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ...» الإصحاح الثاني والعشرون.
ويذكر إنجيل لوقا قبل ذلك أن الشيطان يداخل من يوسوس لهم، وأنه «دخل في يهوذا الذي يدعى الأسخريوطي ... فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند» ليسلم المسيح إليهم.
وينفرد إنجيل يوحنا بكلام منسوب إلى السيد المسيح يصف فيه إبليس بأنه رئيس هذا العالم، وتكرر ذلك في غير موضع؛ فجاء في الإصحاح الثاني عشر أن السيد المسيح قال لتلاميذه ليلة وداعهم: «الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا، وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع .»
وفي الإصحاح الرابع عشر يقول: «... لأن أبي أعظم مني، وقلت لكم الآن قبل أن يكون ... لا أتكلم معكم كثيرا؛ لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء.»
Unknown page