طلعها كأنه رءوس الشياطين ، وذكر الشراح اليهود المتأخرون أن الشيطان تمثل لآدم في صورة الحية حين أغراه بأكل الثمرة المحرمة، ولم تنقطع العلاقة بين الحية والشيطان، ويؤخذ من سفر أيوب عليه السلام - وهو عربي باتفاق المؤرخين - أن الشيطان كان معروفا بين العرب من ذلك العهد الذي كان سابقا لعهد خروج بني إسرائيل من مصر، ويؤخذ من تاريخ الأدب العربي في الجاهلية أن العرب قد عرفوا الشيطان في أدواره الفنية والأدبية مع السحرة والشعراء، فليس هو مجرد اسم معرب نقلوه من لغة أخرى ولم يزيدوا على وضعه في موضعه من المأثورات العبرية.
وأشهر أسماء الشيطان الأكبر في اللغة العربية هو اسم «إبليس» الذي يختلف اللغويون في أصله، كما يختلفون في نسبة كلمة شيطان إلى إحدى اللغات السامية.
والمتكلم العربي يفهم من وصف إنسان من الناس بأنه «إبليس» كل ما يريده القائل من هذه الصفة، فهي دالة في كلام الخاصة والعامة على الدس والفتنة والدهاء والسعي بالفساد، ولم تحمل كلمة واحدة من دلالتها اللغوية أكثر مما حملته هذه الكلمة مستعارا من صفات إبليس في العقيدة الإسلامية.
ويرى بعض الغربيين أن الكلمة في أصلها يونانية من كلمة ديابلوس “Diabolos”
التي تفيد معنى الاعتراض والدخول بين شيئين، كما تفيد معنى الوقيعة، وأصلها في اليونانية من ديا “Dia”
بمعنى أثناء، وبالين “Ballein”
بمعنى يقذف أو يلقي، ومعنى الكلمتين معا قريب من معنى الاعتراض والدخول بين الشيئين، أو قريب من ثم إلى معنى الوقيعة.
وعندنا أن هذا التركيب أضعف من قول القائلين: إن كلمة ديفل “Devil” ، أي الشيطان، في اللغات السكسونية مأخوذة من فعل الشر “Do-evil” ، أي من كلمة «دو» بمعنى يفعل، وكلمة «إيفل» بمعنى الشر. وقد أجمع اللغويون والدينيون على نبذ هذا التركيب مع أنه أقرب إلى صفة الشيطان من الصفة التي توحي بها الكلمتان اليونانيتان بعد التمحل والاعتساف.
ولسنا على يقين من انقطاع الصلة بين الكلمة اليونانية والكلمة العربية، ولكننا على يقين أن «شخصية» إبليس تحتاج بل تتوقف على الدلالة التي تستفيدها من مادة «الإبلاس»، أي فقد الرجاء؛ فإن ضياع الأمل ألزم صفات إبليس على ألسنة الخاصة والعامة، وليس أشهر من المثل الذي يضرب بأمل إبليس في الجنة مرادفا لمعنى الأمل الضائع كل الضياع. وقد فرق هذا المعنى بين كلمة إبليس وكلمة الشيطان في ملامح الشخصية، فهذا قد ضيع الحق وهذا قد ضيع الرجاء، وكذلك قد فرقت بينهما شروح الفقهاء، وفرقت بينهما الدلالة الملموحة بين الشيطنة والإبلاس.
والغربيون اليوم يستخدمون الكلمة اليونانية في صيغة النعت، وقلما يستخدمونها في صيغة العلم، فإذا قالوا عن شيء: إنه «ديابولي» أو إبليسي، فالمفهوم منه أنه عمل من أعمال التمرد والجبروت، لا يلزم أنه سيئ كل السوء، وإنما يلزم أنه خلا من الصفات الإلهية، أو الصفات «الرحمانية» على الخصوص، وكذلك توصف الثورات الجائحة التي تدمر الظلم وتنسف معالم الطغيان، فهي من الجبروت بحيث توصف «بالديابولية»، ولكنها من العنف بحيث تخالف الأعمال «الرحمانية» في الرفق والرضوان. •••
Unknown page