1353

Al-Ibāna al-kubrā li-Ibn Baṭṭa

الإبانة الكبرى لابن بطة

Editor

رضا معطي، وعثمان الأثيوبي، ويوسف الوابل، والوليد بن سيف النصر، وحمد التويجري

Publisher

دار الراية للنشر والتوزيع

Publisher Location

الرياض

Genres

Ḥadīth
قُلْنَا: بَلَغَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: لَا. قُلْنَا: فَهَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ السَّالِفَةِ، أَوْ قَالَهُ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ؟ قَالُوا: لَا، وَلَكِنَّ الْمَعْقُولَ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، قُلْنَا: فَهَلْ يَجُوزُ لِمَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ وَكَوَّنَهُ أَنْ يَقُولَ ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤]؟ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُكَلِّمَ لِمُوسَى كَانَ غَيْرَ اللَّهِ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقًا ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، وَأَنَّ مُوسَى أَجَابَهُ وَعَبَدَهُ مِنْ دُونِهِ، وَمَضَى إِلَى فِرْعَوْنَ بِرِسَالَةِ مَخْلُوقٍ، وَأَمَرَ فِرْعَوْنَ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، قَالَ اللَّهُ ﷿ فِيمَا وَصَفَ بِهِ كِتَابَهُ ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥]، وَقَالَ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤] فَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَفَصِيحِ اللِّسَانِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَلَامٌ إِلَّا مِنْ مُتَكَلِّمٍ، كَمَا لَا يَكُونُ رَسُولٌ إِلَّا مِنْ مُرْسَلٍ، وَلَا عَطَاءٌ إِلَّا مِنْ مُعْطٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤]، فَأَدْخَلَ ﴿تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] تَأْكِيدًا لِلْكَلَامِ وَلِنَفْيِ الْمَجَازِ، فَإِنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يَقُولَ إِنْسَانٌ: كَلَّمْتُ فُلَانًا فِي كِتَابِي وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِي تَكْلِيمًا
٤٧١ - حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ⦗٣٠٤⦘ فَرْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غَزْوَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] قَالَ: «تَأْكِيدًا لَكَلَامِهِ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا تُرْجُمَانَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَسُولَ»، قُلْتُ: فَمَا مَوْضِعُهُ مِنَ الْكَلَامِ؟ قَالَ: " كَقَوْلِ الرَّجُلِ: لَأَضْرِبَنَّكَ ضَرْبًا، وَلَأَفْعَلَنَّ بِكَ فِعْلَا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤]، فَفَصَلَ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْكَلَامِ، لِأَنَّ جَمِيعَ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ إِنَّمَا أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ. فَلَوْلَا مَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مُوسَى مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا تُرْجُمَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ، لَمَا قَالَ: ﴿وَبِكَلَامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤]، وَلَمَا كَانَ لَهُ هُنَاكَ فَضِيلَةٌ وَمَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ اللَّهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِمَا خَصَّ بِهِ مُوسَى، وَلَكِنَّ الْجَهْمِيَّةَ لَا بِمَشَاهَدَةٍ عَلِمُوا مَا يَدَّعُونَ، وَلَا بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ يُصَدِّقُونَ، وَلَا مَا قَالَهُ ﷺ وَصَحَابَتُهُ يَقْبَلُونَ، وَلَا فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَدْخُلُونَ، وَلَا لِكَلَامِ الْعَرَبِ وَفَصِيحِ اللِّسَانِ يَعْرِفُونَ، فَهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ يَعْبُدُونَ، وَبِالْمَعْقُولِ مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ صَحِيحٍ يَدِينُونَ، وَتَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا عَمَّا يَقُولُونَ " فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جَوْفٍ وَفَمٍ وَلِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ، أَفَتَرَى ⦗٣٠٥⦘ الْجَوَارِحَ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا كَانُوا يَعْلَمُونَ، حَتَّى تَنْطِقَ بِكَلَامٍ مَفْهُومٍ وَأَمْرٍ مَعْلُومٍ، فَهَلْ كَانَ لَهَا جَوْفٌ وَأَلْسِنَةٌ وَشِفَاهٌ وَلَهَوَاتٌ؟ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجِلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾. فَالَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ مِنْ غَيْرِ جَوْفٍ وَلَا لِسَانٍ وَلَا شَفَتَيْنِ قَادِرٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ هُوَ بِمَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ لِمَنْ شَاءَ، وَلَا نَقُولُ بِلِسَانٍ وَلَا بِجَوْفٍ وَلَا شَفَتَيْنِ. قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ صَمَدٌ رَوْحَانِيُّونَ، لَا أَجْوَافَ لَهُمْ ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠]. وَقَالَ ﴿يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾ [الرعد: ١٣]. وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَنِ الْجِبَالِ أَنَّهَا تُسَبِّحُ، فَقَالَ ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾. وَقَدْ قَالَ ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٠] وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَذَلِكَ، فَقَالَ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١]. ⦗٣٠٦⦘ وَمِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّ الْجَهْمِيَّةَ الْمُلْحِدَةَ تَجْحَدُهُ كُلَّهُ وَتُنْكِرُهُ، فَتَجْحَدُ الْقُرْآنَ وَتَرُدَّ الْآثَارَ، فَمَنْ أَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى كَلَامًا بِصَوْتٍ تَسْمَعُهُ الْأُذُنَانِ وَتَعِيهِ الْقُلُوبُ، لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَا تُرْجُمَانَ وَلَا رَسُولَ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَجَحَدَ بِالْقُرْآنِ، وَعَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ، فَإِنْ تَابَ وَرَجَعَ عَنْ مَقَالَتِهِ، وَإِلَّا ضَرَبَ عُنُقَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْإِمَامُ وَصَحَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَذِهِ مَقَالَتُهُ فَفَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هِجْرَانُهُ وَقَطِيعَتُهُ، فَلَا يُكَلِّمُونَهُ، وَلَا يُعَامِلُونَهُ، وَلَا يَعُودُونَهُ إِذَا مَرِضَ، وَلَا يَشْهَدُونَهُ إِذَا مَاتَ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَا يُزَوَّجُ، وَإِنْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ "

6 / 303