87

Husn Samt

حسن السمت في الصمت

Investigator

أحمد محمد سليمان

Publisher

دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع

Publisher Location

مصر

* وأخرج ابن أبي الدنيا عن شيخ من قريش، قال: " قيل لبعض العلماء إنك تطيل الصمت، قال: (إني رأيت لساني) (١) سبعًا (عقورًا) (٢) " أخاف أن أخلي عنه " (٣) ... (فيعقرني) (٤) " (٥). * وأخرج ابن أبي الدنيا عن " وهب بن منبه " (٦)، قال: " كان في بني (إسرائيل) (٧) رجلان بلغت (عبادتهما) (٨) أن مشيا على الماء، فبينما هما يمشيان في (البحر) (٩) إذا هما برجل يمشي في الهواء، فقالا له: يا عبد الله بأي شيء أدركت هذه المنزلة؟ قال: بيسير من الدنيا فطمت نفسي " عن " (١٠) الشهوات وكففت لساني عما لا يعنيني ورغبت فيما دعاني إليه، ولزمت الصمت " فإن " (١١) أقسمت على الله أبر قسمي، وإن سألته أعطاني " (١٢).

(١) سقطت من المطبوعة، وما أثبتناه عن "م١" و"م٢"، وهكذا ورد في كتاب الصمت لابن أبي الدنيا. (٢) في "م١" و"م٢" عقورٌ. (٣) في م١ " إذا خلا عنه " والصواب ما أثبته. (٤) في المطبوعة " فيعقورني "، ولعله سهو. (٥) أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصمت (٣٦٦، رقم: ٧٠٣). (٦) في م ١ " وهب بن أبي منبه " والصواب ما أثبته. (٧) سقطت من "ب" (٨) في المطبوعة " بهما عبادتهما "، وما أثبتناه عن "م١"و"م٢". (٩) في "ب" و"ل" و"ط" الحر. (١٠) في م ١ " من " والصواب ما أثبته. (١١) في م ١ " فأنا "، والصواب ما أثبته. (١٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصمت " (٣٨٣ - ٣٨٤، رقم ٧٥٤). والله ﷾ يبر قسم الضعفاء المتضعّفين، عن حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر " أخرجه البخاري في صحيحه (٤٩١٨)، ومسلم في صحيحه (٢٨٥٣). والضعيف هو من نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في الدنيا، والمستضعف المحتقر لخموله في الدنيا. قاله ابن حجر في " فتح الباري ". قال ابن عثيمين ﵀ في شرحه لرياض الصالحين: " إن الإنسان يكون ضعيفًا متضعفًا، أي لا يهتم بمنصبه أو جاهه، أو يسعى إلى علو المنازل في الدنيا، ولكنه ضعيف في نفسه متضعف، يميل إلى الخمول وإلى عدم الظهور - ليس قصد الشيخ ﵀ الخمول الذي بمعنى الكسل وإنما الخمول عن الظهور بين براثن الشهرة وأضواء الانتشار بين الناس - لأنه يرى أن المهم أن يكون له جاه عند الله ﷿، لا أن يكون شريفًا في قومه أو ذا عظمة فيهم، ولكن همه كله هو أن يكون عند الله ﷾ ذا منزلة كبيرة عالية؛ ولذلك نجد أهل الآخرة لا يهتمون بما يفوتهم من الدنيا، إن جاءهم من الدنيا شيء قبلوه، وإن فاتهم شيء لم يهتموا به، لأنهم = =يرون أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن الأمور بيد الله، وأن دوام الحال من المحال، وأنه لا يمكن رفع ما وقع ولا دفع ما قدر إلا بأسباب الشرعية التي جعلها الله تعالى سببًا. وقوله: " لو أقسم على الله لأبره " يعني لو حلف على شيء ليسر الله له أمره، حتى يحقق له ما حلف عليه، وهذا كثيرًا ما يقع؛ أن يحلف الإنسان على شيء ثقةً بالله ﷿، ورجاء ثوابه فيبر الله قسمه، وأما الحالف على الله تعاليًا وتحجرًا لرحمته، فإن هذا يخذل والعياذ بالله " ا. هـ (" شرح رياض الصالحين " ٢/ ١٣٦). قلت: ومن الأسباب الشرعية التي تدفع البلاء " الدعاء " فعلى الإنسان أن يدعو ربه كثيرًا فإن لم يجب الله له مسألته التي سأله إياها قد يدفع الله عنه ضررًا قد كتبه عليه. وضرب ابن عثيمين ﵀ مثالًا لكل حالة من حالتي القسم على الله، الحالة الأولى: من يقسم على الله أملًا في رجائه وعفوه وقدرته متيقنًا من داخله أن الله قادر على كل شيء وأن إرادته بين الكاف والنون، إن أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون. وضرب مثلًا للحالة الثانية: والتي فيها يقسم الناس على ربهم تعاليًا منهم، واستبعادًا لرحمة الله جل وعلا، معجبين بأنفسهم. يقول العلامة ابن عثيمين: " وهاهنا مثلان: المثل الأول: أن الربيع بنت النضر وهي من الأنصار، كسرت ثنية جارية من الأنصار، فرفعوا الأمر إلى رسول الله ﷺ، فأمر النبي أن تكسر ثنية الربيع؛ لقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ... إلى قوله (والسن بالسن) فقال أخوها أنس بن النضر: والله يا رسول الله لا تكسر ثنية الربيع، فقال ﷺ: " يا أنس كتاب الله القصاص " فقال: والله لا تكسر ثنية الربيع. أقسم بهذا ليس ردًّا لحكم الله ورسوله، ولكنه يحاول بقدر ما يستطيع أن يتكلم مع أهلها حتى يعفوا ويأخذوا الدية أو يعفوا مجانًا دون دية، كأنه واثق من موافقتهم، لا ردًا لحكم الله ورسوله، فيسر الله ﷾ فعفى أهل الجارية عن القصاص، فقال النبي ﷺ: " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ". وهنا لا شك أن الحامل لأنس بن النضر هو قوة رجائه بالله ﷿، وأن الله سييسر من الأسباب ما يمنع كسر ثنية أخته الربيع. بنفسه أما المثل الثاني: الذي أقسم على الله تألِّيًا وتعارضًا وترفعًا، فإن الله يخيب آماله، ومثاله: ذلك الرجل الذي كان مطيعًا لله ﷿ عابدًا، يمر على رجل عاص، كلما مر عليه وجده على المعصية، فقال: والله لا يغفر الله لفلان، حمله على ذلك الإعجاب بنفسه، والتحجر بفضل الله ورحمته، واستبعاد رحمة الله ﷿ من عباده. فقال الله تعالى: " من ذا الذي يتألّى علي ألّا أغفر لفلان، قد غفرت له، وأحبطت عملك "، فانظر الفرق بين هذا وهذا ". أ. هـ (شرح رياض الصالحين ٢/ ١٣٧). فاللهم اجعلنا من الضعفاء الذين يرجون لقاءك ويحبون رؤية وجهك الكريم، ويرضون من الدنيا بالقليل، ويعملون بما أوتوا من قوة لكسب رضاك، واجعلنا ممن يعملون بسنة نبيك ومن القائمين عليها. وعن النبي ﷺ قال: " رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لم أقسم على الله لأبره ". رواه مسلم (٢٦٢٢). والأشعث هو ذلك الرجل شديد الفقر الذي لا يجد ما يدهن به شعره من زيوت وغيره، ولا يجد حتى ما يرجل به شعره، وهو عديم القيمة بالنسبة إلى الناس حتى إنه " مدفوع بالأبواب " أي: إن ذهب إلى باب أحدهم فإنه يدفع الباب في وجهه لقلة قيمته عند أولئك الناس، ولكن قد تكون له قيمة كبيرة عند الله بماذا؟ بأعماله الصالحة وتقواه، وخوفه من الله في كل الأوقات وفي جميع الأماكن، وليس من الضروري أن كل أشعث أغبر يقسم على الله فيبر الله قسمه، إذ المقياس هنا هو قدر قربه من الله وقدر ثقته بربه، ومعاملته مع ربه كيف هي، فإن حسنت أبر الله قسمه وإلا ما أبر قسمه.

1 / 94