يريد عيرا لقريش فيها ألفان وخمسمائة بعير، ولم يحدث هذه المرة أيضا أي قتال، وحتى الآن كان واضحا أن الأنصار كانوا مجرد مضيفين، لا يخرجون إلى قتال أو قطع طريق.
37
ثم جاء أخطر إنذار تلقاه ملأ قريش، عندما قامت سرية من تلك السرايا، بضرب الإطار التحريمي للأشهر التجارية الحرام، وهي سرية «عبد الله بن جحش»، التي لقيت عيرا لقريش في «نخلة»، فقتلت «عمرو بن الحضرمي» أحد رجال القافلة، وأسرت رجلين، واستولت على القافلة، وهو ما دفع قريشا للجأر بالشكوى تصيح: إن محمدا وأصحابه قد استحلوا الأشهر الحرم وسفكوا فيها الدم وسلبوا الأموال وأسروا الرجال.
38
وهنا جاء رد الآيات الكريمة المفحم، يحمل أكثر من دلالة، حول مفهوم الأشهر الحرام، وقيمة ذلك التحريم أساسا، ومدى قناعة القوة اليثربية الطالعة بتلك القيمة، وأخذها على مأخذ الجد من عدمه، خاصة بعد أن أكثر الناس الكلام عن استحلال أصحاب محمد للشهر الحرام، ثم إن الرد حمل أيضا تحديدا واضحا لمن أصبح بيده الأمر، وبإمكانه التحليل والتحريم، ناهيك عن قيمة قريش ذاتها كراعية للأشهر الحرام، وصاحبة لقب «أهل الله»، وقيمة ذلك اللقب ومدى مصداقيته، لأن الرد كان:
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير (البقرة: 217).
ولم يكن هناك رد على استصراخ قريش العربان لحرمة الأشهر الحرام، أبلغ من ذلك الرد، لتراجع موقفها، وتضع مصالحها وهيبتها ونظامها الاقتصادي والقانوني التحريمي في الميزان، وهو الموقف الذي بدأت قريش تراجع حساباتها بشأنه، ويأتينا خبره بلسان «صفوان ابن أمية» وهو يقول:
إن محمدا وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري ماذا نصنع بأصحابه، وهم لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعوا محمدا ودخل عامتهم معه، فما ندرى أين نسكن؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رءوس أموالنا، فلم يكن لنا من بقاء، وإنما حياتنا بمكة على التجارة إلى الشام في الصيف، وإلى اليمن في الشتاء.
39
لكن الحال على أية حال - شهد تلاحقا في الأحداث، تجاوز تلك المراجعة، حيث طير الخبر إلى النبي
Unknown page