ولعل أهم وقعة كبرى حولت بالفعل مسار التاريخ بعدها، كان سببها قافلة كبرى لقريش بقيادة صاحب اللواء أبي سفيان بن حرب، وهي وقعة بدر الكبرى، حين تحول اتفاق الأنصار مع النبي في العقبة الثانية إلى غايته المضمرة، من ميثاق دفاعي إلى حلف هجومي محارب، تحولت معه عناصر الجماعة الإسلامية كلها - مهاجرون وأنصار - إلى دولة محاربة هجومية، دولة عسكر ومغانم، كالقبيلة تماما، وبذات منطقها، لكن بعد أن تحول الولاء عن القبيلة وسلفها المعبود إلى الدولة، ممثلة شخصيا في رسول الله ورمزيا في ذات الله، وإلى المصالح المادية المباشرة التي جمعت بالفعل أعضاء الدولة. وكان بدء الغزوات والمغانم نقطة التحول الكبرى التي لعبت دورا عظيما في جذب الأتباع من مستضعفي القبائل ومحاربيهم، بعد أن ظل النبي
صلى الله عليه وسلم
يدعو في مكة ثلاثة عشر عاما دون إجابة، ولم يتبعه خلال كل تلك السنوات سوى حوالي المائة نفر، حيث كانت الدعوة تؤجل الوعد بالنعمة إلى جنة الخلد، ولكن عندما تم الإعلان عن تحلة الغنيمة الدنيوية من أموال الآخرين المخالفين للدعوة ودولتها، أصبح حل مشكلة المعدمين حقيقة ملموسة، ومكاسب عينية تدعوهم إلى الانخراط مع العصبية الإسلامية. وبعد فترة من الزمن ستصبح تلك المكاسب كبيرة إلى الحد الذي سيدفع رجالات قريش المميزين إلى الانخراط في جيش المسلمين، وهو ما يفصح عنه إسلام «عمرو بن العاص» الذي ذهب إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
يؤكد أن هجرته ليست للمال بل لله ورسوله، لكن ليجيبه النبي
صلى الله عليه وسلم
بكل صراحة ووضوح: «نعما بالمال الصالح للرجل الصالح.» ثم أرسله قائدا عسكريا غازيا وهو يقول له: «إني أريد أن أبعثك وجها، يسلمك الله فيه ويغنمك، وأزعب لك زعبة من المال.» ومن ثم كان إعلان النبي
صلى الله عليه وسلم
تميز عمرو بقوله: «أسلم الناس وآمن عمرو.»
3
Unknown page