أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا (الشورى: 13).
ومن أجل تحقيق وحدة الجماعة المسلمة التضامنية في يثرب كان لا بد من مركز تأسيسي يمثل المركز الحكومي الإداري، وفي ذات الوقت يجب أن يكون مركزا مقدسا؛ ومن هنا أمر الرسول الأتباع عند دخوله يثرب بترك ناقته على حريتها قائلا: «اتركوها فإنها مأمورة.» لتبرك الناقة فيتقدس الموضع الذي بركت فيه ويبني فيه المسجد الذي تقدس في حديث النبي
صلى الله عليه وسلم
بقوله: «لا يشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا.» بل وحرم يثرب جميعا لتعادل بحرمتها مدينة مكة.
وفي المسجد كان المسلمون يلتقون بزعيمهم ومنه يوجههم، وفيه يتم توطيد انتمائهم العام للأمة، بإبعادهم عن المجتمع القديم وعزلهم عنه، كما تأكد المعنى المدني للدولة بإطلاق اسم المدينة على يثرب، مع هجوم عنيف على النزعة البدوية في آيات القرآن الكريم، ومن نماذجها:
الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله (التوبة: 97).
ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر (التوبة: 98).
وممن حولكم من الأعراب منافقون (التوبة: 101).
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم (الحجرات: 14).
ومن ثم أصبح التمدن مرادفا للإيمان، حيث المدينة تؤكد الشعور بالانتماء والانتساب والمواطنة وبالهيبة الحضارية. لكن بينما كانت حاضرة مثل مكة قد تخلت عن الإغارات البدوية على القبائل الأخرى نهائيا، لظرفها الاقتصادي والمجتمعي، وتأكيد حرمة مدينتها وحرمها؛ فإن يثرب على العكس بدأت غاراتها العسكرية من الوهلة الأولى للحصول على المقومات الاقتصادية لبناء الدولة، حيث قال النبي
Unknown page