مقدمة التحقيق: حقوق آل البيت آل البيت النبي محمد ﷺ هم على وجه التحقيق: علي وفاطمة وأولادهما، وتناسل منهما حتى تقوم الساعة. وآل البيت النبي مفروض على المسلمين حبهما ومودتها بأمر الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ ١. وحب آل البيت النبوي إنما كان من أجل رأس هذا البيت وهو رسول الله ﷺ ... وقضية الحب هذه شغلت أذهان الكثيرين من السابقين واللاحقين ... وكان الانحراف فيها تبعا لعدم التفرقة بين الحب النفسي، والحب العقلي القلبي. فالحب النفسي انفعال ظاهري بظاهر الأشياء دون التعمق في بواطنها وفي أسرار جمالها الذي اقتضى هذا الإنفعال. الحب النفسي لا يعني إلا بالظواهر وحدها، ومن ثم قد يحب الإنسان شيئا جميلا في ظاهره وباطنه، كأن يعجب بجوهر نفيس كالذهب والماس ... وقد يحب شيئا جميلا في ظاهره دون باطنه، كأن يحب نمطا من المجوهرات الصناعية البراقة الأخاذة بمجامع النفس ... ولكنه في كلا الحالين لا يتجاوز _________ ١-سورة الشورى، آية: ٢٣.

1 / 5

الظاهر إلى الباطن، ولا البريق إلى القيمة..فكل نصيب المحب هو الانفعال الفوري، والإعجاب الذي يجترف الأحاسيس من غير هوادة. أما الحب العقلي فلا يعني بشيء إلا البواطن والقيم، حتى ولو لم يكن في ظاهر الشيء محبوب شيء مما اصطلح على تسميته بالجمال ... يحب الإنسان الرجل الصالح وإن كان فقيرا في ظاهره، كما يحبه وإن كان غنيا جميل الظاهر سواء بسواء. ويحب المرأة العفيفة الصالحة وإن قل جمال ظاهرها، وافتقرت من المال، كما يحبها غنية جميلة الظاهر سواء بسواء. ويحب الزهرة الجميلة لا لأنها تزين الموائد والمحافل، ولكن لأن دلالاتها على إبداع الخالق أكثر من أن تحصى ... ويحب المال لا لأنه وسيلة ترف وزينة، ولكن لأنه يستطيع أن يغني به فقيرا، ويحافظ على إيمان مؤمن ويحمي عرض مضيع من أهله وقومه. هذا هو الفرق بين حب النفس وحب العقل والقلب. ومن هنا اختلف التعبير عن هذا الحب تبعا لقدرات النفس المنفصلة عن العقل، أو لقدراتها مقترنة وممتزجة بقدرات العقل والوجدان القلبي العميق ... ولقد نجح الرسول ﷺ في وصل نفوس أصحابه بعقولهم وهم يعبرون عن حبهم له. وردهم في بعض الحالات التي عبروا فيها نفسيا عن هذا الحب حين قال له بعضهم: ألا نسجد لك؟ فأعلن أنه عبد ولا شيء غير الله ورسوله، وأن المستحق للسجود هو الله وحده ...

1 / 6

وكان اجتماعه بهم، واقتداؤهم به في العمل عاملا رئيسيا في تحويل حبهم النفسي إلى حب عقلي وجداني بلغ قمته في قول الأنصار: " والله يا رسول الله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك". وكانت عهودهم معه تنص على: أن يحموه مما يحمون به أنفسهم وأهليهم ... وبذلوا دماءهم تعبيرا صادقا عن حب الله ورسوله، وطاعة الله ورسوله. ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ ١. عبروا عن حبهم بالعمل على مقتضى سنته ومقتضى القرآن لا يحيدون ولا يكسلون. وعلموا: أن الحب هو الموافقة في القول والعمل والسمت والحلية، وداسوا في سبيل العمل كل زينة وكل بهرج تهواه النفس بخداعها وضلالها، ومحاولتها الحيدة بصاحبها عن المنهاج السوي. ومضت السنون، وكان آل البيت قادة في العمل، وأعجب بهم بعض الناس إعجابا نفسيا ظهرت صورته في الصراخ والهتاف وتكثير الجموع، وإشاعة الخرافة، حتى قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين لبعض غلاة الشيعة: " أحببتمونا حتى صار حبكم علينا عارا". ويستحيل أن يكون حبهم عليهم عارا وهم يقتدون بهم في القول والعمل. اللهم إلا أن يكونوا قد انحرفوا إلى نوع من الخرافة النفسية الخادعة هو الذي دفع الإمام إلى هذا القول. لقد ردد غلاة الشيعة أقوالا حول عصمة الإمام، وحول استقلال الإمام، _________ ١-سورة النساء، آية: ٨٠.

1 / 7

بحساب شيعته يوم البعث، وتلك نحلة نضجت تماما على يد حسن الصباح زعيم الحشاشين في " الموت". وبدأت صفات الربوبية تتسلل إلى الأئمة والدعاة والأبواب، تعبيرا نفسيا خالصا عن الحب الممزوج بخداع النفس مركب الشيطان. ولهذا سألوا الإمام زين العابدين: متى يبعث الإمام؟ يعنون عليا ﵁ فقال: "يبعث يوم القيامة وتهمه نفسه وحدها، ولا شأن له بغيره أمام أحكم الحاكمين". وتطور خداع النفس، وتطور صرفها لأصحابها عن العمل تعبيرا عن الحب إلى مظاهر أخرى بعيدة عن العمل المشروع ... فنصبت الأضرحة على مقابر آل البيت والصالحين بشكل معين يكاد يكون واحدا في كل صقع من الأصقاع، وأوقدت القناديل، وأحرق البخور ونحرت الذبائح، وأقام المنتفعون حولهم يذيعون الخرافة، ويبتزون الأموال، ويصطنعون كل ما يثير شوق النفس إلى عالم الأسرار. والحق أن هذا السلوك كان عجزا عن العمل، عجزا من العقل عن تلك الرحلة المضنية التي يصل من خلالها إلى اليقين بالله، فصنعت له النفس مصدرا سهلا من اليقين المتسلسل من عالم الغيب. وما على الإنسان إلا أن يوقن بسر العالم المادي، فإذا اليقين بالغيب مكتوب ومحكوم به لهذا العبد لا يخطئه ولا يتخطاه. ولست أول من قال بذلك. ولكن الإمام الناقد الجليل الحارث بن أسد المحاسبي أفاض في القول بذلك في كتابه "آداب النفوس"١ وأقام الأدلة المحسوسة على ضلال الحب _________ ١-انظر: آداب النفوس للمحاسبي. من تحقيقنا.

1 / 8

في أي مظهر إلا في العمل الموافق لمرضاة الله ﷿. فهذا يقول: إن الجائع يحب الطعام، والعطشان يحب الماء، ولا يكتفي الجائع بوضع الطعام أمامه، ولا العطشان بتعليق الماء في رقبته، حتى ينال من الطعام ويشرب من الماء، فإذا قرب الطعام والشراب إلى الجائع والعطشان فلم ينل أحدهما من أحدهما شيئا، كان كاذبا من دعواه الجوع والعطش. وهكذا فالذي يحب الله ورسوله، وهو كاذب في دعواه إن لم يعمل وفق أمر الله ورسوله. بل إن هذا هو المشهود في عالم الدنيا ممن يحب بعضهم من الناس، فنجد من يحب إنسانا يسعى بكل جهوده ليرضيه ويعمل بما يريد حتى يرضى. فكيف إذا كان الحب لله ورسوله تحولت الرغبة من الإرضاء إلى صراخ وعويل وشموع ونذور باطلة؟!!. وكما يقول المحاسبي: ستقرب على الله بما يسخط الله". ونحن لا نرمي كل المحبين بهذا السفه في الرأي، والعته في الفكر ... وإنما هم شراذم من الخلق أعماهم الجهل، وأصمهم العجز، وأبوا أن يعترفوا بعجز وجهل، فراحوا يشيعون حول أنفسهم وحول من أحبهم عالما من الأسرار ربما كان المحبون منه براء، وادعوا لأنفسهم للمحبوبين بمثل ما تقرب به أولئك السدنة في هيكل الأسرار، وحذروهم من الاعتراض على أعمالهم خوفا من أن يصيبهم المحبوبون بالدمار والبوار. لقد أصبحنا نسمع في عالم الأسرار أقوالا ما كانت في أقوال السلف، وما نزل بها قرآن، وما نطقت بها سنة، نتيجة لهذا الانحراف في المسلك حين

1 / 9