كلها تؤكد أن هذه الصفات ملازمة للعلم والحكمة التي تفضل الله بها عليه وهي صفات كل العلماء وأولي العلم الذين يخشون الله ولا يخشون أحدا إلا الله ويريدون الآخرة ويسعون لها سعيها وهذا هو ما أوتيه الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين وما أوتيه يوسف وآبائه الأنبياء إبراهيم وإسحق ويعقوب (أولي الآيدي والآبصار) الموصوفون بقوله تعالى: (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) وهي الدار الآخرة والقرار فهم لها على ذكر دائم وعمل دائب ليل نهار ولهذا فهم عند الله كما يقول: (وإنهم عندنا لمن المصطفين الآخيار) [سورة ص: 45-47].
ونعم المقام العالي للعلماء.
وهم هم الذين أوتوا ملكا عظيما كما جاء في سورة النساء وعرضناه قبل هذا ومن خلال هذا العرض الواضح للآيات فالملك الذي أراده يوسف عليه السلام في قوله (رب قد آتيتني من الملك) إنما هو العلم لا سواه لأن الأنبياء هم الذين أوتوا العلم وهم الذين لا يفخرون بالمال والسلطان ولا بالجاه والصولجان وإنما يذعنون لله الذي علمهم وبما أوتوا منه يعملون بما أمرهم ولا يهمهم إلا رضاه عنهم، ولأجله يعملون في كل حال وحين واثقين مطمئنين وعلى ربهم يتوكلون، وهذه هي ميزة العلماء في كل زمان ومكان وهي صفات عباد الرحمن.
هل أستطيع بعد هذا أن أحصل على موافقتكم معي على أن الملك بضم الميم في هذه الآية وسواها هو العلم؟
لعل بعضكم لا يزال في نفسه شيء ما عن معنى الكلمة وسيقول ها هو يوسف يقول بعد ذلك (وعلمتني من تأويل الآحاديث) فعطف هذه الجملة على الأولى تعني المغايرة بين الأولى والثانية وعليه فالأولى لا يراد بها العلم وإنما هو الملك المتعارف عليه.
لأن تعليم تأويل الأحاديث علم فكيف يعطف الشيء على نفسه؟ هكذا سيقول القائل في احتجاجه.
لكني أقول له أن هذا دليل لي لا دليل علي.
فهذا العطف يؤكد أن الأولى وهي (رب قد آتيتني من الملك) لا تقصد إلا العلم ولكن العلم بشكل عام.
علم الدنيا وعلم الآخرة، علم النبوة وعلم الحياة الصالحة.
فهو قد أوتي من هذا العلم كما أوتي سواه ورغم ذلك فهو لم يؤت كل شيء ولكن ما شاء له الله منه ولهذا قال: (من الملك) ولم يقل: (قد آتيتني الملك) فهو بعض من علم الله (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وهذا فضل يؤتاه من شاء الله وأرضاه.
Unknown page