Human Rights in Islam by Abdelfattah Ashmawi
حقوق الإنسان في الإسلام لعبد الفتاح عشماوي
Publisher
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Genres
إننا عندما نسمع هذا الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة ﵁ فنسمع أعجب ما تسمع الدنيا من العدالة والمساواة والإيثار يقدمه معلم العالمين كلهم بأمر ربه محمد ﷺ، ونقدم الحديث بلفظه وطوله أولًا، ثم نعلق عليه بقليل من الكلمات.
يقول أبو هريرة عن نفسه: الله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، فإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم ﷺ. فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: "أبا هِرّ" قلت لبيك يا رسول الله، قال "الحَقْ" ومضى فتبعته، فدخل. فاستأذن فأذِن لي، فدخل فوجد لبنًا وقدح فقال: "من أين هذا اللبن؟ " قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال "أبا هِرْ" قلت لبيك يا رسول الله، قال: " الحَقْ إلى أهل الصفة فادعهم لي" قال- يعني أبو هريرة- وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل، ولا مال، ولا على أحد، إذا أتته ﷺ صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنتُ أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاؤوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسول الله ﷺ بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: "أبا هِرّ" قلت لبيك يا رسول الله، قال: "خذ فأعطهم"، فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عَلَيَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليّ القدح، فيشرب حتى يروى، حتى انتهيت إلى النبي ﷺ، وقد روى القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: "أبا هر" فقلت لبيك يا رسول الله، قال: "بقيت أنا وأنت" قلت: صدقت يا رسول الله، قال: "أقْعدْ فاشرب" فقعدت فشربت فقال: " اشرب" فشربت، فما زال يقول "اشرب" حتى قلت: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا، قال: "فأرني" فأعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة، وفي رواية، وشرب من الفضلة قال صاحب الفتح، وفي هذا إشعار بأنه بقي بعد شربه شيء، فإن كانت محفوظة فلعلها أعدها لمن بقي بالبيت من أهله ﷺ، انتهى هذا الحديث الشريف العظيم.
57 / 108