Hulal Sundusiyya
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
Genres
78
وبهذا الموضع مياه جارية، وعيون مطردة، وخصب زائد، ويلي المدينة من جهة المشرق جبل عال يسمى «جبل المنية»
79
وأعلاه بسيط، وعلى أعلاه سور بناه محمد بن أبي عامر عند ما أجاز إليها من الأندلس وأراد أن ينقل المدينة إلى أعلى هذا الجبل فمات عند فراغه من بنيان أسوارها، وعجز أهل سبتة عن الانتقال إلى هذه المدينة المسماة بالمنية، فمكثوا في مدينتهم، وبقيت المنية خالية، وأسوارها قائمة، وقد نبت حطب الشعراء فيها. وفي وسط المدينة بأعلى الجبل عين ماء لطيفة لكنها لا تجف البتة، وهذه الأسوار التي تحيط بمدينة المنية تظهر من عدوة الأندلس لشدة بياضها. ومدينة سبتة سميت بهذا الاسم لأنها جزيرة منقطعة، والبحر يطيف بها من جميع جهاتها، إلا من ناحية المغرب، فإن البحر يكاد يلتقي بعضه ببعض هناك، ولا يبقى بينهما إلا أقل من رمية سهم، واسم البحر الذي يليها شمالا بحر الزقاق، والبحر الآخر الذي يليها في جهة الجنوب يقال له بحر بسول، وهو مرسى حسن يرسي فيه فيكن من كل ريح.
وبمدينة سبتة مصايد للحوت ولا يعدلها بلد في إصابة الحوت وجلبه، ويصاد بها من السمك نحو من مائة نوع، ويصاد بها السمك المسمى بالتنين الكبير، وصيدهم له يكون زرقا بالرماح وهذه الرماح لها في أسنتها أجنحة بارزة تنشب في الحوت ولا تخرج، وفي أطراف عصيها شرائط القنب الطوال، ولهم في ذلك دربة وحكمة سبقوا فيها جميع الصيادين.
ويصاد بمدينة سبتة شجر المرجان الذي لا يعدله صنف من صنوف المرجان المستخرج بجميع أقطار البحار. وبمدينة سبتة سوق لتفصيله وحكه وصنعه خرزا وثقبه وتنظيمه، ومنها يتجهز به إلى سائر البلاد، وأكثر ما يحمل إلى «غانة» وجميع بلاد السودان، لأنه في تلك البلاد يستعمل كثيرا. ومن مدينة سبتة إلى قصر مصمودة في الغرب 13 ميلا وهو حصن كبير على ضفة البحر، تنشأ به المراكب والحراريق التي يسافر فيها إلى بلاد الأندلس، وهي على رأس المجاز الأقرب إلى ديار الأندلس ومن قصر مصمودة إلى مدينة طنجة غربا 20 ميلا. ومدينة طنجة قديمة أزلية، وأرضها منسوبة إليها، وهي على جبل عال مطل على البحر، وسكنى أهلها منه في سند الجبل إلى ضفة
80
البحر، وهي مدينة حسنة لها أسواق وصناع، وفعلة وبها إنشاء المراكب، وبها أقلاع وحط، وهي على أرض متصلة بالبر فيها مزارع وغلات وسكانها برابر ينسبون إلى صهاجة. ومن مدينة طنجة ينعطف البحر المحيط الأعظم آخذا في جهة الجنوب إلى أرض «تشمس» وتشمس كانت مدينة كبيرة ذات سور من حجارة يشرف على نهر «سفدر» وبينها وبين البحر نحو ميل، ولها قرى عامرة بأصناف من البربر، وقد أفنتهم الفتنة وأبادتهم الحروب المتوالية عليهم. ومن تشمس إلى قصر عبد الكريم، وهو على مقربة من البحر، وبينه وبين طنجة، يومان، وقصر عبد الكريم مدينة صغيرة على ضفاف نهر «لكس» وبها أسواق على قدرها يباع بها ويشترى، والأرزاق بها كثيرة والرخاء بها شامل. ومن مدينة طنجة إلى مدينة «أزيلا» مرحلة خفيفة جدا، وهي مدينة صغيرة جدا، وما بقي منها الآن إلا نزر يسير، وفي أرضها أسواق قريبة، وأزيلا هذه، يقال أصيلا، عليها سور. وهي متعلقة على رأس الخريج المسمى بالزقاق، وشرب أهلها من مياه الآبار. وعلى مقربة منها في طريق القصر مصب نهر سقدد، وهو نهر كبير عذب تدخله المراكب، ومنه يشرب أهل تشمس التي تقدم ذكرها. وهذا الوادي أصله من مائين يخرج أحدهما من بلد «دنهاجة» من جبل «البصرة» والماء الثاني من بلد كتامة، ثم يلتقيان، فيكون منهما نهر كبير. وفي هذا النهر يركب أهل البصرة في مراكبهم بأمتعتهم حتى يصلوا البحر فيسيروا فيه حيث شاءوا. وبين تشمس والبصرة دون المرحلة على الظهر. والبصرة
81
كانت مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالحصين، ولها قرى وعمارات وغلات، وأكثر غلاتها القطن والقمح، وسائر الحبوب بها كثيرة، وهي عامرة الجهات، وهواؤها معتدل، وأهلها أعفاء، ولهم جمال وحسن أدب. وعلى نحو 18 ميلا مدينة «باب أقلام»
Unknown page