Hulal Sundusiyya
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
Genres
وخط فيها الأسواق، وابتنى الحمامات والخانات والقصور والمتنزهات واجتلب إلى ذلك بناء العامة، وأمر مناديه بالنداء: ألا من أراد أن يبني دارا أو يتخذ مسكنا بجوار السلطان فله أربعمائة درهم، فتسارع الناس إلى العمارة، فتكاثفت وتزايدوا فيها، فكادت أن تتصل الأبنية بين قرطبة والزهراء، وانتقلوا ببيت مالهم وديوانهم وخزائنهم. وقد نقل جميع ذلك وأعيد إلى قرطبة تطيرا منهم بها، وتشاؤما بموت رجالهم فيها، ونهب سائر ذخائرهم.
وسمعت من غير ثقة ممن يستنبطن حالهم أن لعبد الرحمن بن محمد، مما اتجه له جمعه من مال الأندلس وجباياتها، من حقوقها وغير واجبها إلى سنة 340 نحو عشرين ألف ألف دينار، ولست أشك على ما يوجبه النظر، وتواطأ به الخبر، في ما جمعه الحكم بعد هلاك أبيه، من خدمه والمصادرين الذين كانوا في جملته، وإلى وقتنا هذا عن أسباب الأندلس ولوازمها وجباياتها وخراجها وأعشارها وصدقاتها وجواليها
13
تمام أربعين ألف ألف دينار. وليس لهذا المال في وقتنا هذا بموضع من مواضع الأرض نظير، غير ما في يد أبي تغلب الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان، فإنه مما يعلمه الخاص والعام بالعراق وديار ربيعة، جمع من تركة أبيه ما يضاهيه ويزيد عليه زيادة بينة.
وقرطبة وإن لم تكن كأحد جانبي بغداد فهي قريبة من ذلك ولاحقة به إن شاء الله، وهي مدينة حصينة ذات سور من حجارة ومحال حسنة، وفيها كان مسكن سلطانهم قديما، وداره داخل سورها، وأكثر أبواب هذه الدار مشرعة في البلد من غير جهة. ولها بابان يشرعان في نفس السور إلى الطريق الآخذ على الوادي من الرصافة، والرصافة مساكن أعالي البلد متصلة بأسفلها من ربضها، مشتبكة أبنيتها، محيطة بها، مستديرة عليها من شرقها وشمالها وغربها. فأما الجنوبية منها فهو إلى واديها، وعليها الطريق المعروف بالرصيف، والأسواق والبيوع والخانات والحمامات ومساكن العامة بربضها
14 ، ومسجد جامعها جليل في نفس المدينة، والحبس منه قريب، وقرطبة هذه بائنة بنفسها عن مساكن أرباضها ظاهرة، ودرت بها في غير يوم في قدر ساعة، وقد قطعت الشمس خمسة عشر دقيقة ماشيا.
وللزهراء أيضا مسجد جامع دون جامع البلد في المحل والقدر والكبر، وعلى سورها سبعة أبواب حديد، وليس لها نظير بالمغرب فخامة حال، وسعة تملك، وابتذالا لجيد الثياب والكسى، وفراهة كراع، وكثرة حلي، وإن لم يكن لها في عيون كثير من الناس حسن بارع، فليس لجيوشهم حلاوة في العين، ولا علم بأفانين الفروسية وقونينها، ولا بالشجاعة وطرقها. وأكثر ظفر جيوشهم في القتال بالكيد، ومما يدل على ذلك أني لم أر قط بها أحدا أجرى فرس فاره أو برذون هجين، ورجلاه في الركب ، ولا يستطيعون ذلك، ولا بلغني عن أحدهم، وكل ذلك لخوفهم من السقوط إلى فشل فيهم عند لقائهم وتواطؤهم على نزع أرجلهم من ركبهم، ولم تطبق قط جريدة عبد الرحمن، ولا من سبقه من آله، خمسة آلاف فارس، فمن يقبض رزقه ويختم عليه ديوانه لأنه مكفي المؤونة بأهل الثغور، مما ينوبه من كيد العدو الذي يجاوره من الروم، ولا عدو عليه سواهم، وقلما يكترث لهم، وربما طرقه في الأحايين مراكب الروس والترك والصقالبة والبجناكية، وهم جيل من أجيال الترك المجاورين لأرض الخزر والبلغار، فأنكوا في أعمال الأندلس وربما انصرفوا خاسرين.
وبالأندلس غير مجلب من التجارة كالزيبق والرقيق والحديد والرصاص، وضروب من الفرش، كقطع الأرمني الحسن. وعندهم تعمل اللبود المشهورة في جميع الأرض بالجودة والصبغ الحسن، ولهم من الألوان والأصباغ والحشائش التي يلون بها الحرير وأنواع الصوف والثياب ما ليس في بلد من بلدان الأرض له نظير حسنا وكثرة. فأما أسعارهم فتضاهي النواحي الموصوفة في الرخص، وكثرة فواكههم مع طيبة فيها كالمباحة التي لا ثمن لها. وملابسهم نظيفة، إلى طيب عيش يناله عوامهم وقل من يصير إليه أهله من أهلها إلا على الفاره من المركوب، ولا يعرف فيهم المهنة والمشي إلا أهل الصنائع والأرذال، وأكثر ركوبهم البغال وفيها يتفاخرون وبها يتكاثرون. ولهم منها نتاج في جزائرهم
15
لم أر مثله في معادن البغال المذكورة، ومواضعها المشهورة، كأرمينية والران، ونتاج برزعة، وباب الأبواب،
Unknown page