Hujjat Allah Baligha
حجة الله البالغة
Investigator
السيد سابق
Publisher
دار الجيل
Edition Number
الأولى
Publication Year
سنة الطبع
Publisher Location
بيروت - لبنان
(المبحث الْخَامِس)
(مَبْحَث الْبر وَالْإِثْم)
(مُقَدّمَة فِي بَيَان حَقِيقَة الْبر وَالْإِثْم)
إِذْ قد ذكرنَا لمية المجازاة وإنيتها، ثمَّ ذكرنَا الارتفاقات الَّتِي جبل عَلَيْهَا الْبشر، فَهِيَ مستمرة فيهم لَا تنفك عَنْهُم، ثمَّ ذكرنَا السَّعَادَة وَطَرِيق اكتسابها، حَان أَن نشتغل بتحقيق معنى الْبر وَالْإِثْم.
فالبر كل عمل يَفْعَله الْإِنْسَان قَضِيَّة لإنقياد للملأ الْأَعْلَى واضمحلاله فِي تلقي الإلهام من الله وصيرورته فانيا فِي مُرَاد الْحق، وكل عمل يجازى عَلَيْهِ
خيرا فِي الدُّنْيَا أَو الْآخِرَة، وكل عمل يصلح الارتفاقات الني بنى عَلَيْهَا نظام الْإِنْسَان، وكل عمل يُفِيد حَالَة الانقياد، وَيدْفَع الْحجب.
وَالْإِثْم كل عمل يَفْعَله الْإِنْسَان قَضِيَّة لانقياده للشَّيْطَان وصيرورته فانيا فِي مُرَاده، وكل عمل يجازى عَلَيْهِ شرا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وكل عمل يفْسد الارتفاقات وكل عمل يُفِيد هَيْئَة مضادة للانقياد، ويؤكد الْحجب.
وكما أَن الارتفاقات استنبطها أولو الْخِبْرَة، فاقتدى بهم النَّاس بِشَهَادَة قُلُوبهم. وَاتفقَ عَلَيْهِ أهل الأَرْض، أَو من يعْتد بِهِ مِنْهُم، فَكَذَلِك للبر سننن ألهمها الله تَعَالَى فِي قُلُوب المؤيدين فِي بِالنورِ الملكي الْغَالِب عَلَيْهِم خلق الْفطْرَة بِمَنْزِلَة مَا ألهم فِي قُلُوب النَّحْل مَا يصلح بِهِ معاشها، فجروا عَلَيْهَا، وَأخذُوا بهَا وأرشدوا إِلَيْهَا وحثوا عَلَيْهَا، فاقتدى بهم النَّاس، وَاتفقَ عَلَيْهَا أهل الْملَل جَمِيعهَا فِي أقطار الأَرْض على تبَاعد بلدانهم وَاخْتِلَاف أديانهم بِحكم مُنَاسبَة فطرية واقتضاء نَوْعي، وَلَا يضر ذَلِك اخْتِلَاف صور تِلْكَ السّنَن بعد الِاتِّفَاق على أُصُولهَا، وَلَا صدود طَائِفَة مخدجة لَو تَأمل فيهم أَصْحَاب البصائر لم يشكو أَن مادتهم عَصَتْ الصُّورَة النوعية، وَلم تمكن لأحكامها، وهم فِي الْإِنْسَان كالعضو الزَّائِد فِي الْجَسَد، زَوَاله أجمل لَهُ من بَقَائِهِ.
ولشيوع هَذِه السّنَن أَسبَاب جليلة، وتدبيرات محكمَة أحكمها المؤيدون بِالْوَحْي صلوَات الله عَلَيْهِم، فأثبتوا لَهُم منَّة عَظِيمَة فِي رِقَاب النَّاس، وَنحن نُرِيد أَن ننبهك على أصُول هَذِه السّنَن مِمَّا أجمع عَلَيْهِ جُمْهُور أهل الأقاليم الصَّالِحَة من الْأُمَم الْعَظِيمَة الَّتِي
1 / 114