Ḥujjat Allāh al-bāligha
حجة الله البالغة
Editor
السيد سابق
Publisher
دار الجيل
Edition
الأولى
Publication Year
سنة الطبع
Publisher Location
بيروت - لبنان
قَوْله ﷺ: نزل الْقُرْآن على خَمْسَة وُجُوه، حَلَال، وَحرَام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. أَقُول: هَذِه الْوُجُوه أَقسَام للْكتاب وَلَو بتقسيمات شَتَّى، فَلَا جرك لَيْسَ فِيهِ تمانع حَقِيقِيّ، فَالْحكم يكون تَارَة حَلَالا وَأُخْرَى حَرَامًا، وَفِي أصُول الدّين ترك الْخَوْض بِالْعقلِ فِي المتشابهات من
الْآيَات وَالْأَحَادِيث، وَمن ذَلِك أُمُور كَثِيرَة لَا يدْرِي أأريد حَقِيقَة الْكَلَام أم أقرب مجَاز إِلَيْهَا؟ وَذَلِكَ فِيمَا لم تجمع عَلَيْهِ الْأمة، وَلم ترْتَفع فِيهِ الشُّبْهَة وَالله أعلم.
(من أَبْوَاب الطَّهَارَة)
اعْلَم أَن الطَّهَارَة على ثَلَاثَة أَقسَام: طَهَارَة من الْحَدث، وطهارة من النَّجَاسَة الْمُتَعَلّقَة بِالْبدنِ أَو الثَّوْب أَو الْمَكَان، وطهارة من الأوساخ النابتة من الْبدن كشعر الْعَانَة والأظافر والدرن.
أما الطَّهَارَة من الْأَحْدَاث فمأخوذة من أصُول الْبر، والعمدة فِي معرفَة الْحَدث، وروح الطَّهَارَة وجدان أَصْحَاب النُّفُوس الَّتِي ظَهرت فِيهَا أنوار ملكية، فأحسست بمنافرتها للحالة الَّتِي تسمى حَدثا، وسرورها وانشراحها فِي الْحَالة الَّتِي تسمى طَهَارَة، وَفِي تعْيين هيئات الطَّهَارَة وموجباتها مَا اشْتهر فِي الْملَل السَّابِقَة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وبقايا الْملَل الإسماعيلية، فَكَانُوا يجْعَلُونَ الْحَدث على قسمَيْنِ، وَالطَّهَارَة على ضَرْبَيْنِ - كَمَا ذكرنَا من قبل - وَكَانَ الْغسْل من الْجَنَابَة سنة سائره فِي الْعَرَب فوزع النَّبِي ﷺ قسمي الطَّهَارَة على نَوْعي الْحَدث، فَجعل الطَّهَارَة الْكُبْرَى بأزاء الحَدِيث الْأَكْبَر لِأَنَّهُ أقل وقوعا وَأكْثر لوثا وأحوج إِلَى تَنْبِيه النَّفس بِعَمَل شاق، قَلما يفعل، مثله، وَالطَّهَارَة الصُّغْرَى بأزاء الْحَدث الْأَصْغَر لِأَنَّهُ أَكثر وقوعا وَأَقل لوثا ويكفيه التَّنْبِيه فِي الْجُمْلَة، والأمور الَّتِي فِيهَا معنى الحَدِيث كَثِيرَة جدا يعرفهَا أهل الاذواق السليمة ... لَكِن الَّذِي يصلح أَن يُخَاطب بِهِ النَّاس كَافَّة مَا هُوَ منضبط بِأُمُور محسوسة ظَاهِرَة الْأَثر فِي النَّفس لتمكن الْمُؤَاخَذَة بِهِ جهرة، فَلذَلِك تعين أَلا يدار الحكم على اشْتِغَال النَّفس بِمَا يختلج فِي الْمعدة، وَلَكِن يدار على خُرُوج شَيْء من السَّبِيلَيْنِ فَإِن الأول غير مضبوط الْمِقْدَار وَإِذا تمكن لَا يعرفهُ الْوضُوء من خَارج، وَالثَّانِي مَعْلُوم بالحس، وَأَيْضًا فلمعنى انقباض النَّفس فِيهِ شبح محسوس وخليقه ظَاهِرَة وَهِي التلطخ بِالنَّجَاسَةِ،
وَأَيْضًا إِنَّمَا يُؤثر الْوضُوء عِنْد زَوَال اشْتِغَال النَّفس وَذَلِكَ بِالْخرُوجِ، وَقد نبه النَّبِي ﷺ فِي قَوْله " لَا يصل أحدكُم وَهُوَ يدافع الأخبثين. " أَن نفس الِاشْتِغَال فِيهِ معنى من مَعَاني الْحَدث.
والأمور الَّتِي فِيهَا معنى الطَّهَارَة كَثِيرَة كالتطيب والأذكار المذكرة لهَذِهِ الْخلَّة كَقَوْلِه ﷺ: " اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين " وَقَوله: " اللَّهُمَّ نقني من الْخَطَايَا
1 / 294