المبحث الثاني
حكمة التشريع في حد القاذف بالزنى دون الكفر (١) .
لابن القَيم في كتابه (أعلام الموقعين) (٢) بحث مستفيض في الرد على نفاة القياس ونقض إيراداتهم وتقويض شبههم وفيه أورد سؤالهم المشهور: وهو قولهم إن الشريعة قد فرقت بين المتماثلين، وجمعت بين المختلفين وضربوا له عددًا من الأمثلة منها قولهم (٣):
(وأوجب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون من قذفه بالكفر وهو شر منه) .
فأجاب ابن القيم رحمه الله تعالى عن هذا السؤال مبينًا حكمة التشريع في ذلك فقال:
(وأما إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون الكفر ففي غاية المناسبة:
فإن القاذف بالزنا لا سبيل للناس إلى العلم بكذبه فجعل حد الفرية تكذيبًا له، وتبرئة لعرض المقذوف. وتعظيما لشأن هذه الفاحشة التي يجلد من رمي بها مسلمًا. وأما من رمى غيره بالكفر فإن شاهد حال المسلم واطلاع المسلمين عليها كاف
في تكذيبه، ولا يلحقه من العار بكذبه عليه في ذلك ما يلحقه بكذبه عليه في الرمي بالفاحشة. ولا سيما إن كان المقذوف امرأة، فإن العار والمعرة التي تلحقها بقذفه بين أهلها وتشعب ظنون الناس وكونهم بين مصدق ومكذب لا يلحق مثله بالرمي بالكفر) .