Hubb Ibn Abi Rabica Wa Shicruhu
حب ابن أبي ربيعة وشعره
Genres
ألا إن الحضري في حبه كمدمن الخمر، يصرع كل يوم مرة، فينسى بكأسه الأخرى كأسه الأولى.
والمرء ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
ولقد ذكروا أن كثيرا مشت أمامه امرأة ظريفة المشية، فتبعتها عينه، فالتفتت إليه، فعرض عليها حبه، فقالت: كيف ذلك وقد ضاع شعرك في عزة؟ فقال: يا سيدتي! قد كان ذلك تصنعا ورياء، ولئن أبحتني حبك، ومنحتني حسنك، لأسيرن في ذكرك الشعر، ولأضربن بحسنك الأمثال، فكشفت عن وجهها فإذا هي عزة، ثم قالت له: حسبك يا غادر! فبهت كثير وانصرف وهو خزيان نادم!
وكذلك كان ابن أبي ربيعة، فما قصر نفسه على امرأة ، ولا وقف حبه على فتاة، وإنما كان يتلمس الجمال بين مناسك الحج، ويتلقط الحسن في مسارح الظباء، فيغشى الرياض الزاهرة، عله يظفر بزهرة لا كالزهور، ويقصد الأندية السامرة، عساه يسمع حديثا عن بعض الآنسات الحور، بل ربما صد عمن تجزيه بالحب حبا، ورام من تجزيه بالقرب الصدود.
ولقد مر به فتيان وهو بالحجر يصلي، بعد أن صوح زهره، وتأود غصنه، وبعد أن سئم الغواية والفساد، وجنح إلى الهداية والرشاد، وبعد أن خلى الغرام جانبا، وأقبل على نفسه يحاسبها، وعلى ربه يستغفره، فلم يكد يقضي صلاته حتى هرع إليهما يتعرف خبرهما ويعرف أهلهما، فلما عرفهما وكانا أخوين، قال: يا ابني أخي: لقد كنت موكلا بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه. وليس بعجيب أيها السادة أن لا يصدق في حبه من يقول:
سلام عليها ما أحبت سلامنا
فإن كرهته فالسلام على الأخرى
ولا نريد بهذه الكلمة الغض من عواطف الحضريين ولا الطعن في كرامتهم، فقد يكون من بينهم من هو أصدق حبا، وأنقى عرضا، ولكنا نرى الشره في الحب، والطمع في الصبابة، من علائم التلون، ودلائل التقلب.
4
Unknown page