«لكن إلى أين أذهب؟»
كان لدى هلدرلين إحساس فريد بالنماء والنضوج. ويكاد المرء يصدق أنه كان يسمع «النمو وهو يفور»، وينصت للقوى التي تحرك الحياة من الجذور. إن الفنان قريب من مبدأ الخلق نفسه الذي «يجدد الأزمان»، وهو يحيا في جذور الوجود «حيث تدبر الطبيعة الأيام الآتية»، وحيث «تنمو الأعوام» وتمتزج الساعات والأيام. وقربه من الحركة المطلقة والقوى التي تسيرها هو الذي يعطيه الحق في التصرف في قوانين الزمان والمكان، وحرية المزج والتقريب بينها كما يقضي بذلك فكره ويوحي به شعره.
والشاعر يتمتع بهذه الحرية نفسها في تصوره للمكان. إنه يقول في إحدى قصائده المتأخرة التي لم تتم:
الغناء حر كالعصافير،
تطير وتتجول فرحة من بلد إلى بلد.
1
والشاعر القريب من مبدأ الوجود المطلق والنماء والتغير لن يكون الوطن عنده مكانا ضيقا تحده الحدود والسدود، بل حقلا تزدهر فيه قوى الحياة وتترعرع، وقلبا وبستانا وأرضا للحب والإلهام:
عسى الوطن لا يصبح مكانا ضيقا
بل هواء فحسب
2 ...
Unknown page