Hilyat al-awliyaʾ wa tabaqat al-asfiyaʾ

Abu Nu'aym al-Isfahani d. 430 AH
17

Hilyat al-awliyaʾ wa tabaqat al-asfiyaʾ

حلية الأولياء و طبقات الأصفياء

Publisher

مطبعة السعادة

Publisher Location

بجوار محافظة مصر

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلُّوَيْهِ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: قَالَ مُقَاتِلٌ وَسَعِيدٌ: " لَمَّا جِيءَ بِإِبْرَاهِيمَ ﵇ فَخَلَعُوا ثِيَابَهُ، وَشَدُّوا قِمَاطَهُ، وَوُضِعَ فِي الْمَنْجَنِيقِ، بَكَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ وَالسَّحَابُ وَالرِّيحُ وَالْمَلَائِكَةُ، كُلٌّ يَقُولُونَ: يَا رَبُّ إِبْرَاهِيمُ عَبْدُكَ يُحْرَقُ بِالنَّارِ، فَائْذَنْ لَنَا فِي نُصْرَتِهِ، فَقَالَتِ النَّارُ وَبَكَتْ: يَا رَبُّ سَخَّرْتَنِي لِبَنِي آدَمَ، وَعَبْدُكَ يُحْرَقُ بِي، فَأَوْحَى الله ﷿ إِلَيْهِمْ: «إِنَّ عَبْدِي إِيَّايَ عَبَدَ، وَفِي جَنْبِي أُوذِيَ، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِنِ اسْتَنْصَرَكُمْ فَانْصُرُوهُ». فَلَمَّا رُمِيَ اسْتَقْبَلَهُ جِبْرِيلُ ﵇ بَيْنَ الْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنَا جِبْرِيلُ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا حَاجَتِي إِلَى اللهِ رَبِّي. فَلَمَّا قُذِفَ فِي النَّارِ كَانَ سَبَقَهُ إِسْرَافِيلُ فَسَلَّطَ النَّارَ عَلَى قِمَاطِهِ، وَقَالَ اللهُ ﷿: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: ٦٩]، فَلَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِالسَّلَامِ لَكُزَّ فِيهَا بَرْدًا "
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثَنَا يُوسُفُ الْقَطَّانُ، ثَنَا مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ ﵇ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ كَانَ فِيهَا - مَا أَدْرِي إِمَّا خَمْسِينَ، وَإِمَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا - قَالَ: «مَا كُنْتُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ قَطُّ أَطْيَبَ عَيْشًا مِنِّي إِذْ كُنْتُ فِيهَا، وَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْشِي وَحَيَاتِي كُلَّهَا مِثْلَ عَيْشِي إِذْ كُنْتُ فِيهَا» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِنْ أُخِذَ مِنَ الصُّوفِ الْمَعْرُوفِ، فَهُوَ لِاخْتِيَارِهِمْ لِبَاسَ الصُّوفِ، إِذْ لَا كُلْفَةَ لِلْآدَمِيِّينَ فِي إِنْبَاتِهِ وَإِنْشَائِهِ، وَإِنَّ النُّفُوسَ الشَّارِدَةَ تُذَلَّلَ بِلِبَاسِ الصُّوفِ، وَتُكْسَرُ نَخْوَتُهَا وَتَكَبُّرُهَا بِهِ، لِتَلْتَزِمَ الْمَذِلَّةَ وَالْمَهَانَةَ، وَتَعْتَادَ الْبُلْغَةَ وَالْقَنَاعَةَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا شَوَاهِدَهُ فِي كِتَابِ لُبْسِ الصُّوفِ مُجَوَّدًا. وَقَدْ كَثُرَتْ أَجْوِبَةُ أَهْلِ الْإِشَارَةِ فِي مَائِيَّتِهِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَارَةِ، وَجَمَعْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَأَقْرَبُ مَا أَذْكُرُهُ مَا حُدِّثْتُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَاشَ فِي ظَاهِرِ الرَّسُولِ فَهُوَ سُنِّيٌّ، وَمَنْ عَاشَ فِي بَاطِنِ الرَّسُولِ فَهُوَ صُوفِيٌّ». وَأَرَادَ جَعْفَرٌ بِبَاطِنِ الرَّسُولِ ﷺ أَخْلَاقَهُ ⦗٢١⦘ الطَّاهِرَةِ، وَاخْتِيَارَهُ لِلْآخِرَةِ، فَمَنْ تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الرَّسُولِ ﷺ، وَتَخَيَّرَ مَا اخْتَارَهُ، وَرَغِبَ فِيمَا فِيهِ رَغِبَ، وَتَنَكَّبَ عَمَّا عَنْهُ نَكَبَ، وَأَخَذَ بِمَا إِلَيْهِ نَدَبَ، فَقَدْ صَفَا مِنَ الْكَدَرِ، وَنُحِّيَ مِنَ الْعَكَرِ، وَنُجِّيَ مِنَ الْغِيَرِ، وَمَنْ عَدَلَ عَنْ سَمْتِهِ وَنَهْجِهِ، وَعَوَّلَ عَلَى حُكْمِ نَفْسِهِ وَهَرَجِهِ، وَسَعَى لِبَطْنِهِ وَفَرْجِهِ، كَانَ مِنَ التَّصَوُّفِ خَالِيًا، وَفِي التَّجَاهُلِ سَاعِيًا، وَعَنْ خَطِيرِ الْأَحْوَالِ سَاهِيًا

1 / 20