Hilm Caql
حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة
Genres
إذا دخل أي من المقربين من سقراط في محادثة معه، كان عرضة لأن يستدرج إلى جدال، وأيا كان الموضوع الذي سيختاره فسيستمر سقراط في مجادلته حتى يكتشف أخيرا أن عليه أن يقدم تقريرا عن حياته الماضية والحاضرة، وإذا وقع في الشرك فلن يتركه سقراط حتى يمحصه بشكل كامل.
لقد كان سقراط فقيرا، ولم يرتبط اسمه بأي من الإنجازات التقليدية، وكانت نشأته متواضعة؛ إذ كان أبوه عامل بناء وكانت أمه قابلة. ويشهد لقدرات سقراط الاستثنائية في المحاورة أنه التحق بركب الطبقات العليا في المجتمع الأثيني. وقد شبه ألسيبيادس الذي روى قصة سهر سقراط حتى الصباح في المعسكر حديث سقراط بموسيقى مارسياس إله الأنهار «الذي لم يكن عليه إلا أن يضع الناي على شفتيه ليسحر الناس»، وقد قال كذلك لسقراط: «إن الفرق بينك وبين مارسياس أنك تستطيع الحصول على النتيجة نفسها دون الحاجة إلى أية آلة على الإطلاق، بل إلى بعض الكلمات البسيطة وليس الشعر حتى.» وقال كذلك:
بالحديث عن نفسي أيها السادة، لو لم أخش أن تقولوا إنني غلبت؛ لأقسمت بصدق على الأثر غير العادي لكلماته في نفسي، فعندما أسمع حديثه يخلبني نوع من الغضب المقدس ... وتبلغ نفسي التراقي، وتنهمر الدموع من عيني. ولست وحدي من يحدث معه ذلك بل ثمة كثيرون كذلك ...
وغالبا ما يتركني مارسياس في اليوم الثاني في حالة أشعر فيها أني ببساطة لا أستطيع أن أعيش كما في السابق. لقد جعلني أعترف أنه بينما أقضي وقتي في السياسة فإني أتجاهل الأشياء التي تصطرع بداخلي.
لقد «غلب» ألسيبيادس الصغير بالفعل في هذه المرحلة من العشاء؛ لذا فلا شك أنه كان منبهرا. إنها حقيقة بالغة أن الجميع كانوا يبدون انبهارا أثناء حديثهم عن سقراط سواء كان ذلك ألسيبيادس وهو يتغنى بمدحه أو أعداءه وهم يهذون أمامه.
وقد أراد ألسيبيادس أيضا أن يحبه سقراط؛ فقد كان مألوفا بين فلاسفة أثينا والفتية أن يكون فيهم مسحة من رغبة مثلية وخاصة فيمن حول أفلاطون. وكان أي رجل كبير يعلم الحكمة للولدان وهو سعيد مستبشر متأثرا بوسامة شبابهم وجاذبيته. ولكن أفلاطون وسقراط كليهما انتقدا المثلية الجنسية؛ فقد شعر ألسيبيادس بالخزي في البداية عندما رفض سقراط التجاوب مع رغباته الجسدية. وكما أوضح سقراط بلباقة وقتها فقد صد محاولات ألسيبيادس لأسباب أخلاقية وليس لعدم انجذابه إليه. لقد اشتهر ألسيبيادس بالوسامة الكبيرة وعرف سقراط بدمامة وجهه، ولكن الجمال الذي رآه ألسيبيادس في سقراط هو جمال داخلي فقال: «لقد سحر قلبي أو عقلي أو ما شئت أن تسميه بفلسفة سقراط التي تتشبث بأي عقل صغير وموهوب، تصل إليه كما تتشبث الأفعى بفريستها.»
لقد سخر سقراط من دمامة وجهه واستطاع أن يقدم شيئا أكثر من محض شبه جدي حتى من موضوع هزلي كهذا. وقد تحداه أحد أصدقائه يدعى كريتوبيولوس في «مسابقة جمال» يحاول فيها كل رجل أن يقنع نموذجا لهيئة حكام أنه أجمل من نظيره، وقد بدأ سقراط المنافسة قائلا:
سقراط :
الخطوة الأولى إذن في دعواي هي استدعاؤكم إلى جلسة الاستماع التمهيدية، برجاء التفضل بالجواب على أسئلتي: هل تؤمنون أن الجمال لا يوجد إلا في الإنسان؟ أم أنه موجود في أشياء أخرى؟
كريتوبيولوس :
Unknown page