55

Hilm Caql

حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة

Genres

تميل النسبية بكل أشكالها إلى الإخفاق حينما تطبق على نفسها، كما أن بها العديد من الصعوبات والنقاط الغامضة. ولقد أثار سقراط بعض المشكلات المتعلقة بالنسبية في إحدى محاورات أفلاطون، وتدعى «ثياتيتوس»، والتي نوقشت فيها آراء بروتاجوراس وجرى تحليلها ثم رفضها في النهاية. في بداية المحاورة اقتبس سقراط جملة بروتاجوراس التي تقول إن الإنسان مقياس كل شيء، ثم شرع في تفسيرها بأنها تعني أن أي شيء «أرى حقيقته كما يبدو لي أنا وترى أنت حقيقته كما يبدو لك أنت.»

ويضرب سقراط بالرياح مثلا يدلل به على صحة ما يقول فقال: «أحيانا عندما تهب هذه الرياح يشعر أحدنا ببرد خفيف بينما لا يشعر الآخر بذلك، أو يشعر أحدنا ببرد خفيف ويشعر الآخر ببرد قارس.» وفي هذه الحالة يمكن القول إن حال أحد الرجلين (القائل إن الرياح باردة) يختلف عن حال الآخر. وقال ديموقريطس إنه بما أن الرياح تبدو باردة وغير باردة في آن واحد فلا محيص من أن الرياح ذاتها غير ذلك تماما. أما بروتاجوراس فاستنتج من المظاهر المتناقضة أن الرياح باردة وغير باردة معا، فكل إنسان هو السلطة المطلقة (أو «المقياس») للحكم على الأشياء التي تبدو له؛ ولذلك فما يقوله عنها صحيح.

ولكن عند القول إن الأشياء في حقيقتها تطابق ما تظهر به لشخص ما، فقد انحرف بروتاجوراس كثيرا عن جادة الصواب؛ لأن ذلك يتضمن أنه ما من إدراك خاطئ. وهذه أطروحة غير معقولة؛ ولذلك شن عليها سقراط هجوما ضاريا.

سقراط :

يبقى السؤال حول الأحلام والاضطرابات وبخاصة الجنون، وجل الأخطاء التي يعتقد أنها تنتج عنه في النظر أو السمع أو غير ذلك من الخطأ في الإدراك؛ ففي تلك الحالات يكون إدراكنا خاطئا بالتأكيد، ويكون ما يبدو لأي إنسان أبعد ما يكون عن الحقيقة، بل إن هذا الإدراك ليس صحيحا على الإطلاق.

بروتاجوراس :

هذا صحيح تماما يا سقراط.

سقراط :

إذن ماذا يتبقى من حجة لمن يؤمن أن ما يظهر لكل إنسان صحيح بالنسبة له؟

بروتاجوراس : ... في الحقيقة لا أستطيع إنكار أن المجانين والحالمين يؤمنون بما هو باطل عندما يتخيل المجانين أنهم آلهة، ويعتقد الحالمون أن لهم أجنحة يطيرون بها في منامهم.

Unknown page