Hikayat Shaciriyya
حكايات شاعرية: قصائد قصصية من الأدب الألماني الحديث
Genres
رأيت أن الفقر أعظم المصائب،
والجاه والثراء أعظم النعم.
ولكي أضع حدا لهمومي وآلامي السقيمة، رحت أبحث عن كنز تحدثت عنه الكتب النادرة القديمة. يا نفسي، آه يا نفسي . لا بد أن تحصلي على هذا الكنز، ولتعلمي أنني راهنت بدمي على تحقيق هذا الفوز.
وهكذا انطلقت إلى المكان المعلوم، وأخذت أرسم دوائر حول دوائر تتسع وتتقاطع وتتعانق، وأشعلت النيران التي حولت الأرض إلى سماء تتوهج بالنجوم الساطعة، وتنذر بالبروق الصاعقة. لم أنس أن ألقم النار بالأعشاب الشهيرة الموصوفة، وأن أغذي وقودها بعظام الموتى اليابسة المخيفة. وبدأت أتلو تعاويذي المحفوظة، وأهيب بالشياطين الفظيعة والأرواح الرقيقة والغليظة. ثم شرعت أحفر في الموقع المحدد المحدود، وأنا واثق بالعثور على الكنز العتيد التليد. آه ما أبشعها من ظلمة، الليلة كانت عاصفة سوداء.
وفجأة لاح نور يخفق ويبرق من بعيد، كأنه نجم أو كوكب سعيد، وتزامن هذا مع دقات الساعة منتصف الليل. هنالك أخذت على غرة، وأشرق الضوء الساطع من كأس كالدرة، يحملها في يده صبي فاتن الجمال على جبينه غرة.
أبصرت أمامي عينين ببريق خاطف اللمعان، تحت تاج مرصع بالزهور التي تسطع ألوانها كالياقوت والمرجان. وعلى الضوء السماوي الساطع للشراب، دلف الصبي إلى الدائرة التي كنت أحفر فيها بالظفر والناب. ابتسم وحياني ودعاني أن أشرب باطمئنان. قلت لنفسي: يستحيل أن يكون هذا الصبي من نسل الشيطان، ما دام يقدم لي هذه الهدية الرائعة التي تستحق العرفان والامتنان: اشرب وتذوق شجاعة الحياة الصافية، عندئذ تفهم سر الموعظة الغالية، وتقلع عن تعاويذ الشر وتهاويل البهتان، ولا تفكر أبدا في الرجوع إلى هذا المكان. كف عن الحفر هنا، وتوقف عن هذا العمل الباطل، اجعل يومك للعمل المثمر والشاق، واجعل ليلك للسمر مع الأضياف وللبهجة والأشواق. اقض أسابيع العمر مع الكد المر، واترك نفسك للمتعة في الأعياد وللمرح الحر، ولتصبح كلماتي في المستقبل هي تعويذتك، وحكمتك، وكلمتك السحرية.
5 (5) صياد بجبال الألب - ألا تريد يا ولدي أن ترعى الأغنام؟ الأغنام الهادئة الطيبة التي تعيش على الأعشاب، وتمرح لاعبة على شط الغدير؟ - أمي، أمي دعيني أمضي يا أمي للصيد، هنالك فوق أعالي جبل الألب. - ألا تحب يا ولدي أن تجذب القطيع الصغير، ليسير وراءك على أنغام البوق المرح وألحان النفير؟ فترن الأجراس بصوتها المحبوب، وتندمج مع غناء الغابة العجيب؟ - أمي، أمي، قلت لك دعيني أسرح وأهيم، فوق أعالي الجبل الموحشة هناك. - ألا يعجبك يا ولدي أن تتعهد الأزهار اللطيفة التي تنمو وتزدهر في أحواض الزهور؟ هناك لن تجد البستان ولا الحديقة التي ترحب بك وتدعوك، فما أفظع الوحشة في الأعالي المقفرة الجدباء! - اتركي الزهور في حالها لتنمو وتزدهر في سكون، ودعيني يا أمي أذهب إلى قمة الجبل المكين.
وانطلق الصبي في رحلة الصيد كما أراد، وقلبه يجيش بالرغبة والقلق والاندفاع الجسور، نحو البقعة المقفرة التي يرتفع فيها الجبل الموحش المهول. مرت أمامه بسرعة أشد من سرعة الريح، غزالة تعدو هاربة مرتعشة بعد أن لمحت ظله النحيل. راحت تتسلق أضلاع الصخر العارية كأنها تسبح أو تطير، وما إن لمحت شقا في الحجر المتصدع حتى قفزت تختبئ فيه، لكن الصبي النزق الجريء كان يتبعها وفي يده قوس الموت الوشيك. ها هي ذي فوق الحافة تتعلق بنتوء في أقصى الطرف الحاد، تتلفت حولها وتحتها، فلا ترى من درب أو سبيل، بل صخور منحدرة في عمق الهاوية السحيق، وتنظر خلفها ولا تلمح سوى العدو المتربص بها من قريب. إنها ترسل نظرات الرعب الخرساء، وتبتهل وتتوسل لصبي قاسي الفؤاد، لكن تتوسل عبثا إذ ها هو يضع يديه على القوس، ويدخل فيه النبل الفتاك.
وفجأة ينشق الصدع الأسود في الجبل الأجرد عن روح طيب، ويتقدم منها عجوز الجبل ليهدئ من روعها، ويمر بيده الإلهية على ظهر الحيوان المعذب، ثم ينادي بأعلى صوت: أحتم عليك أن تجلب الموت والرعب إلى هذا المرتفع الذي أعيش فيه؟ إن الأرض تتسع للجميع، فلماذا تصر على مطاردة هذا الغزال البريء وملاحقة قطيعي؟!
6 (6) لعبة العمالقة
Unknown page